برق
الشرق
بسم
الله الرحمن الرحيم
في
نهاية العام من يحاسب نفسه
؟!
إبراهيم
بن محمد الحقيل
الحمد
لله وحده ، والصلاة
والسلام على من لا نبي بعده
.. أما بعد :
فإن
صحة الأبدان ، وأمن الأوطان ،
ورغد العيش هي مقومات
الحياة ، ولذا قال النبي
صلى الله عليه وسلم : ( من
أصبح منكم آمناً في سربه ،
معافى في بدنه ، عنده
قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا
بحذافيرها ) . [أخرجه الترمذي وابن
ماجه وهو حديث حسن] . بفقدان
واحدة من هذه الثلاث يكون
عيش الإنسان منغصاً ولربما
تمنى الموت . هذه النعم
الثلاث عندما يجدها الإنسان فإنه لا
يحس بمرور
الأيام ، وانقضاء
الأعوام ؛ فالأيام تمر عليه
سريعاً .
كان
هذا العام بالأمس مبتدئاً ، وها هو
الآن ينتهي ، وكأننا لم نعش
أيامه
وشهوره ؛ لكن المرضى
والخائفين والجائعين والأسرى
والمسجونين ، قد طالت عليهم
أيامه وأبطأت شهوره ، من شدة
ما يجدون
ويحسون !!
ضرورة
المحاسبة :
في
آخر أيام هذا العام
لا بد من المحاسبة
والمراجعة ؛ فالمؤمن يعلم أن حياته ليست
عبثاً ، ويدرك أنه لم يخلق هملاً ، وهو
على يقين أنه لن يترك سدى . وقد
يعمل
الإنسان في
حياته أعمالاً ثم ينساها ؛
لكنه يوم القيامة سيوفاها كما قال تعالى
:
{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ
اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم
بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ
اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد }
[المجادلة:6] .
وقال تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ
نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ
مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ
تَوَدُّ لَوْ أَنَّ
بَيْنَهَا
وَبَيْنَهُ أَمَدًا
بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ
نَفْسَهُ وَاللّهُ
رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }[ آل عمران:30] .
وقال تعالى :{ وَنَضَعُ
الْمَوَازِينَ
الْقِسْطَ
لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا
تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ
مِثْقَالَ
حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا
بِهَا وَكَفَى
بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء:47] .
إن
النعم التي يتقلب
الناس فيها ، والصوارف التي
تحيط بهم تجعلهم ينسون الحساب
،ويغفلون عن ذكر
يوم المعاد ، { اقْتَرَبَ
لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ
(1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن
رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ
إِلَّا اسْتَمَعُوهُ
وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [الأنبياء:1،2] .
كيفية
المحاسبة
:
لا
بد أن ينظر الإنسان في عمله ، ويتأمل
حاله كيف قضى
عامه ؟ وفيم صرف أوقاته
؟
في
عامه الراحل كيف كانت علاقته بربه
؟
هل
حافظ على فرائضه ، واجتنب زواجره ؟
هل
اتقى الله في بيته
؟
هل
راقب الله في عمله وكسبه وفي كل شؤونه
وأحيانه ؟
فإنه
إن فعل ذلك
صار يعبد الله كأنه يراه ، فإن لم يكن
يراه فإن الله تعالى
يراه . ومن
حاسب نفسه في العاجلة أمن في
الآخرة ، ومن ضحك في الدنيا كثيراً ولم
يبك إلا
قليلاً يخشى عليه أن يبكي في القيامة
كثيراً . كما قال تعالى :{
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً
وَلْيَبْكُوا كَثِيراً } [التوبة:82] قال
ابن عباس
رضي الله عنه : (( الدنيا قليل
فليضحكوا فيها ما شاؤا فإذا انقطعت
وصاروا
إلى
الله تعالى استأنفوا في
بكاء لا ينقطع عنهم أبداً )) [أخرجه ابن
جرير وابن
أبي شيبة
بإسناد صحيح] .
وعن
أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله
عنهما قالا : قال رسول صلى
الله عليه وسلم : ((
يؤتى بالعبد يوم القيامة
فيقال : ألم أجعل لك سمعاً
وبصراً ومالاً وولداً ، وسخرت
لك الأنعام والحرث ،وتركتك
ترأس وتربع فكنت تظن أنك ملاقيَّ يومك
هذا ؟
فيقول : لا ، قيقول
له : اليوم أنساك كما نسيتني
)) [أخرجه الترمذي بسند صحيح] وقال
: معنى قوله
: (اليوم أنساك كما نسيتني) : اليوم
أتركك في العذاب .علاج
القلوب قبل علاج الأبدان :
إذا كان مرضى الأبدان يشخصون الداء ،
ولا يزالون في متابعة مستمرة للمرض حتى
يقضي عليه ؛ فبطريق الأولى
والأحرى يفعل ذلك
مرضى الذنوب والآثام .إن استصلاح
القلوب أهم وآكد من استصلاح الأبدان .
وإذا كانت الحياة تنقلب
عذاباً عند فساد الأبدان ؛
فعذاب الآخرة أشد وأنكى لمن
فسدت قلوبهم .إن مجالات الذنوب
والمعاصي في هذا الزمن واسعة ، والداعي
لها كثير ، وسبل
الطاعة ضيقة ، والداعي لها
قليل .فالفتن تلاحق الناس في أسواقهم
وأعمالهم ، وتملأ
عليهم بيوتهم ، وتفسد أولادهم ونساءهم
، ولا يزال
أهل الباطل يجرون عباد
الله إلى باطلهم وسيستمرون
، فماذا علمنا لدرء الشر عن
أنفسنا وبيوتنا ؟!
إن
عامنا يمضي وذنوبنا تزداد ، وإن آخرتنا
تقترب ونحن
عنها غافلون – إلا من
رحم الله وقليل ما هم!- نمنّ
على الله بالقليل من الطاعات
، ونواجهه بالكبائر والموبقات
!! فهل ندرك أننا لا نزال غافلين
؟!
جاء
قوم إلى إبراهيم أدهم رحمه الله في سنة
أمسكت فيها السماء وأجدبت فيها الأرض
فقالوا له : استبطأنا المطر فادع الله
لنا . فقال : تستبطئون
المطر ،
وأنا استبطئ الحجارة .
آثار
الذنوب على الأمة :
بسبب
الذنوب والمعاصي ، وإصرار كثير من
العباد عليها : أصبحت أمة
الإسلام
مائدةً ممدودة لكل طاعم ،
وصندوقاً مفتوحاً لكل آخذ ، وقصة
يحكيها كل
شامت ، نسوا
الله فنسيهم ، وتركوا أمره فسلط عليهم
أعداءهم
.أورثتهم الذنوب ذلاً ومهانة
، سكنت معها القلوب بل ماتت . ألفت
العيون دموع
اليتامى ، واعتادت الآذن
على أنات الأيامى . ولقد أصبح قتل
المسلم الأعزل
في كثير
من الأقطار أمراً سهلاً ؛ بل ممتعاً
يدعو للفرحة والنزهة من
قبل الكافرين
.. ولا حول ولا قوة إلا بالله
العزيز الحكيم
.
والمصيبة
أنه يصاحب هذا التسلط من الأعداء تفرق
المسلمين ؛ وتشتت أمرهم ، واختلاف
كلمتهم ؛ فبعضهم يكره بعضاً ،
ويتباغضون أشد من بغضهم لأعدائهم في
كثير من الأقطار والبقاع .
فلماذا كل هذا ؟!
إن
النظرة المتأنية
لأسباب هذا الذل والهوان ،
وذلك الاختلاف والافتراق توجد قناعةً
مفاداها أن الذنوب والمعاصي من أهم
أسباب ذلك ؛ بل هي السبب الرئيسي له
ماذا
قدمنا لأمتنا ؟!
إن
جميع المسلمين في
الأرض لم يرضوا عن واقعهم
المهين ؛ لكن هل تحركوا لتغييره ؟!
كل
فرد من
الأفراد يتأسف ويأسى لواقع أمته ، ولو
تأملت حاله لوجدته سبباً من
أسباب
هذا الواقع !! إن صلاح
الأفراد فيه صلاح الأمم ، وإن فسادهم
فيه فسادها ..
إذا أصلح كل فرد
نفسه ومن هم تحت يده ، ونشر
الإصلاح بين الناس على قدر جهده
ووسعه صلحت الأمة بإذن
الله تعالى . أما أن يكون كل فرد فاسداً
في
نفسه مفسداً لمن هم تحت يده
–
إلا من رحم الله – ويريد أن
تصلح الأمة ، وأن تعتز
وتنتصر على أعدائها ؛ فذلك
من أبعد المحال ، والله لا
يصلح عمل
المفسدين .
إن
مشكلتنا تتخلص في أننا لا نحس بأننا
سبب من أسباب انحدار
أمتنا وتخلفها ،
ونتغافل عن كوننا جزءاً من
أجزاء الأمة التي نريد صلاحها ، وكل
واحد منا يرمي باللائمة
على الغير . ومن المضحك جداً أن نلوم
عدوّنا ،
ونجعله سبب مشاكلنا ؛
لكي
نتنصل من مسؤولياتنا ، ونرتاح من تبعات
التحليل والتدقيق
، والمحاسبة والتقويم
، فهل ندرك ذلك في نهاية عام نودعه
وبداية
عام نستقبله ؟! ونفقه أن
الأمة لن تصلح وتنتصر حتى
يصلح كل فرد من أفرادها نفسه
، وينتصر على أهوائه وشهواته
؟! نرجو أن ندرك ذلك ونعقله .
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها |
|