آخر تحديث يوم الأربعاء 05 - 02 - 2003م

.....

برق الشرق

بين (كولومبيا) و(تشيرنوبل)

وبطاقة عزاء للشعب الأمريكي

للكارثة التي حلت بمركبة الفضاء الأمريكية (كولومبيا) أبعادها الفاجعة: الإنسانية والحضارية والمادية. من منطلق الترابط الإنساني الوثيق، والألم الذي تثمره آلام الآخرين، لا يملك إنسان ذو نفسية سوية إلا أن يتعاطف مع أسر الضحايا الذين قضوا في هذه الكارثة، وأن يتقدم للشعب الأمريكي أجمع بمشاعر العزاء والمواساة، وإن كان مما يهون هول المصيبة أنها بعض ضريبة (المجد) الذي تبوأ هذا الشعب ذروته.

إن إدارة الظهر لآلام الآخرين، واللامبالاة بمعاناتهم، وأحياناً الشماتة بما يحل بهم من مصائب، كما يفعل بعض الأقوياء، غروراً واستهتاراً بآلام الإنسان ومآسيه، ولاسيما إذا كانت من صنع يد هؤلاء الأقوياء؛ إن هذا الموقف لا ينتج عن نفس إنسانية سوية، هذبتها الحضارة بقيمها: الدينية والمدنية.

ومن جهة أخرى ترتبط الكارثة الفاجعة التي حلت بمركبة الفضاء الأمريكية (كولومبيا) وروادها بالكارثة النووية في (تشيرنوبل) التي كانت نذير شؤم بالنسبة للاتحاد السوفييتي، وبداية النهاية القاصمة.

حسب الأخبار المتداولة فإن سبب الكارثة هو تخفيض ميزانية وكالة الفضاء الأمريكية، وأن خبراء أمريكيين من الوكالة نفسها، قد حذروا من أن أسطول المركبات المكوكية الفضائية يواجه مشكلات في السلامة.

وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز 3/2 أنه بعد أن حذرت لجنة من الخبراء من أن أسطول المركبات المكوكية الفضائية سيواجه مشكلات في السلامة، في حالة عدم رفع الميزانية، عزلت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية /ناسا/ خمسة خبراء من اللجنة المؤلفة من تسعة أعضاء كما عزلت اثنين من المستشارين. وذلك لإسكات انتقاداتهم. (على طريقة ما يحدث في العالم الثالث !!)

وأضافت الصحيفة أن الأميرال المتقاعد (برنارد كودرير) كان مستاء من عزل هؤلاء، حتى أنه انسحب من لجنة سلامة الفضاء الاستشارية التابعة /لناسا/ وهي مجموعة من الخبراء مكلفة بمراقبة السلامة في ناسا. وأقرت الإدارة بأنهم أجبروا على استقالاتهم بسبب اعتراضاتهم !!

وفي تقرير صدر في آذار الماضي /2002/، وشمل تحليلات من أعضاء سابقين، أكدوا أن العمل بشأن سلامة المكوك على المدى الطويل (تدهور)، وأشار التقرير إلى أن خفض الميزانية كان يؤدي إلى التركيز على التخطيط قصير المدى.

إن انهيار الأخلاق العامة، وروح الاستهتار واللامبالاة بالتحذيرات، والإهمال المتعمد لإجراءات السلامة، كل ذلك يشكل انموذجاً لروح عام يمكن أن يسري في قطاعات الدولة، ويتسبب بالكوارث العامة، ليس على صعيد مركبة فضائية وعدد محدود من الرواد، وإنما على صعيد الأبحاث العلمية كافة في تدهور خطير، قد يكون ما حدث في (تشيرنوبل) ملهاة بالنسبة إليه.

إن الحقيقة التي تؤكدها الأنباء المتسربة من واشنطن هي أن للكارثة أسبابها المادية الموضوعية، التي أغضى عنها المسؤولون الأمريكيون وهذا أول الوهن في بناء النظام الأمريكي، الذي ترجح فيه كفة المال المقنن على حيوات علماء أمريكيين ليسوا من العراق ولا من فلسطين.

إن قيام المركبة الفضائية المنكوبة بعمليات تحضير للحرب الظالمة التي ستشن على العراق، هو جزء هام في معادلة القدر الرباني الذي ساق هؤلاء الذين كانوا ينخرطون (بلامبالاة) في عملية قذرة تستهدف الأطفال والنساء والرجال على أرض العراق، بل الحرث والنسل فعاجلهم قضاء الله ليكونوا ذكرى لقوم يذكرون. فقد أكدت الأنباء أن المركبة كانت تقوم بعملية رصد دقيق لأرض العراق، وأن الكثير من الصور التي اختزنتها قد ضاع بضياعها.

إن الكارثة الفاجعة في فهمنا الحضاري تقتضي وقفة تأمل إنسانية من صاحب القرار الأمريكي، وقفة تأمل في محاسبة الذات على روح الجبروت والطغيان التي تسوس بها الولايات المتحدة العالم.

في تاريخ العالم القديم والحديث، كثير من الأدعياء الطغاة، بعضهم نادى: (أنا ربكم الأعلى) وآخر قال: (أنا أحيي وأميت) وبقيت كلمة الله هي العليا (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون) نعم لعلهم..

وتعزية ومواساة للعشب الأمريكي ولأسرة العلم العالمي، ولذوي الضحايا.

وذكرى للمتلهفين على الجبروت أن حنانيكم، فإن لهذا العالم رباً يحميه.

5 / 2 / 2003