القتل
العشوائي في العراق
صنعة
من ؟
تفجؤنا
الأخبار يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة
بعمليات قتل عشوائية مجنونة تستهدف
تجمعات العراقيين، فتوقع بين صفوف
المدنيين العشرات من القتلى والجرحى
في كل صولة من صولاتها المتلاحقة آناً
بعد آن.
لا
أحد، أولاً، يستطيع أن ينسب هذه
الأفعال إلى الإسلام أو إلى أتباعه،
لأن الإسلام قد حرم أصلاً الاقتتال (المجتمعي)
بكل صوره. حتى سيد قطب (المفترى عليه)
اعتبر قيام الكينونة السياسية مقدمة
أساسية لإعلان حالة الجهاد، رافضاً أن
يسود الهرج (والهرج هو القتل) مجتمعاً
من المجتمعات ولو تحت راية العقيدة. (يراجع
في ذلك تفسير قوله تعالى (ألم تر إلى
الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا
الصلاة..) في ظلال القرآن) وإصرار
الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة على
منع أي رد عنيف مقاوم على أذى الكفار،
بقوله (لم أؤمر بذاك..).
ولا
أحد، ثانياً، يستطيع أن ينسب هذه
الأفعال الانتقامية الموتورة إلى
المقاومة العراقية، مهما كان لون هذه
المقاومة ومنطلقاتها، فالعدوان على
الذات بهذه الطريقة البشعة لا يمارسه
إلا ممسوس قد اضطربت رؤيته وعميت عليه
مقاصده، فما عاد يميز الخير من الشر،
والخطأ من الصواب.
عمليات
القتل العشوائي وسط المدنيين
العراقيين لا يمكن أن تكون إسلامية،
ولا يمكن أن تكون عراقية وطنية في
الوقت نفسه.. وإنما هي عمليات تقف
وراءها جهات مريبة لا يخفى وجهها البشع
عن ذي عينين.
وتأتي
هذه العمليات البشعة متساوقة مع تسريب
بعض الجهات لخبر وثيقة تتحدث عن
استراتيجية تقوم على الوقيعة بين
العراقيين، لزعزعة الأمن في العراق
والتأثير في واقع الاحتلال.. وحين تقرن
الوثيقة المسربة التي تفوح منها روائح
(C
I A)
بالعمليات المتلاحقة التي يروح ضحيتها
العشرات من العراقيين وليس من
الأمريكيين !! تصبح الحقيقة جلية واضحة
تغني بشأنها الإشارة عن العبارة.
إن
إدانة عمليات القتل العشوائي والتنكر
لها لا يكفي. إنما المطلوب وعلى وجه
السرعة أن يتحمل مجلس الأمن والمجتمع
الدولي مسؤولية تشكيل لجان حيادية
نزيهة وذات صلاحية بعيداً عن الوصاية
الأمريكية، لإجراء تحقيقات ميدانية
لكشف هوية الفاعلين الحقيقية. نظن أن
تحقيقاً كهذا لو أتيح له أن يتسم
بالنزاهة المطلوبة لن يقع بعيداً عن
رامسفيلد وعصابته.
إن
الإدارة الأمريكية المستعدة للتضحية
بالإنسان الأمريكي نفسه لتحقيق بعض
المصالح الاقتصادية والسياسية
الصغيرة، لن تتأخر أبداً عن قتل الألوف
بل عشرات الألوف من العراقيين من أجل
كسب موقف دعائي يخدم إعادة الرئيس بوش
إلى البيت الأبيض.
قراءتنا
للواقع ترتبط بفهم نفسية الآخر
وأهدافه ووسائله وكل الذي تعلمناه من
الإدارة الأمريكية حتى الآن يقع في هذا
الاتجاه.
12
/ 2 / 2004
|