قنطرة
الجلاء
نفضت
ميسلون عن جناحيها غبار التعب، وكان
الجلاء يوم سأل أبناء سورية والبشر
يغمرهم:
أين
الأعاجم لا حلوا ولا رحلوا
وكأن طيفهم في الشـام مفقود
كان
الجلاء..
يوم
أن صمم يوسف العظمة أن يخوض ميسلون،
وهو يعلم نتيجتها، ويوم كان قادة
المجتمع السوري يدركون التفاوت بين
قدرتهم وقدرات عدوهم، ويوقنون أن
المعركة معركتهم، وأن عليهم أن
يخوضوها بظروفها المفروضة عليهم، إذ
قلما يتاح للإنسان المستضعف أن يختار
ظروف معركته وشروطها !!
كان
الجلاء..
يوم
أن غطت العزيمة والإرادة على الخلل في
ميزان القدرة. فلقد صنعت الجلاء
الإرادة الجمعية الحازمة لأبناء
شعبنا، واللحمة الوطنية التي لحمت
الجسد الوطني بكل أطيافه، ورفضت دوائر
(الأنا الصغيرة) الكريهة التي تقدم بها
من حاول أن يجعل من سورية دويلات، على
أسس من الوهم الذي قام في نفسه فراهن
عليه، كما يراهن عليه اليوم من يحتل
العراق، أو من يسعى إلى تدمير البنية
الذاتية لشعب فلسطين.
كان
يوم الجلاء..
يوم
النصر الأول، نظر إليه على أنه قنطرة
العبور إلى الفضاء الإنساني والفضاء
الحضاري والفضاء الإسلامي والفضاء
القومي العربي، ولكن..
يوم
الجلاء..
الذي
نظر إليه على أنه محطة الانطلاق إلى
الغد الأمجد، الذي تعلق به خيال
الشعراء، وفكر المفكرين، ومشروع
النهضويين. الكل كان يريد سورية النواة
الأنموذج للأمة الأنموذج التي تتعشق
كل ما في التاريخ من عبق، وكل ما في
الواقع من قوة، وكل ما في المستقبل
المنشود من وضاءة..
وبعد نصف قرن من
الجلاء..
يقف
الإنسان العربي السوري مستعبراً
ومعتبراً!! وماذا بعد؟! يجبهك بقوله:
لا تسلنـي، أيـن كنـا؟ أيـن
أصبحنـا؟ وكيـف؟!
كيف
انحدرنا من يفاع الاستقلال إلى قاع
الظلمة التي نتردد الآن فيها؟! ظلمة
الفرقة والتنابذ والدعاوى
والادعاءات، ظلمة التخلف والخوف والشك
والتردد والتوجس، ظلمة الأمية
بأنواعها والفقر المعنوي والمادي
والبطالة الظاهرة والمقنعة؟!
كيف
أمسينا وصهيوني يعربد على جنبات الشام
الجنوبية الغربية وأمريكي يزمجر على
جنبات الشام الشرقية، ووسواس خناس
يجوس الديار يفلسف الوهن ويزخرف الجبن
والاستسلام، وباغ علينا من بني جلدتنا
يسومنا الخسف ويسقينا من كأس الهوان؟!
في
يوم الجلاء..
نحتاج
من الجلاء تلك الإرادة الجمعية
الحازمة، وتلك اللحمة الوطنية لتعيد
لحم الجسد الوطني. نحتاج تلك الجرعة من
الوعي التي رفضت دوائر (الأنا الصغيرة)
وانتصرت عليها، حين جعلت الطيف الوطني
في زخرفه ناصعاً كعناق ألوان قوس قزح
بين نور وماء..
18
/ 4 / 2004
|