برق
الشرق
القضية
... الوطنية
القضية
الوطنية في سورية صعبة، والمهمة
المناطة بالقوى الوطنية على اختلاف
توجهاتها ثقيلة. نقول صعبة، وإن تكن
غير معقدة لأنها من حيث الرؤية والوضوح
والبيان لا تكاد تلتبس على أحد.. ففي
سورية شعب مقهور مستلب، تواطأ عليه
مجموعة من العسكريين منذ مطلع
الستينات، فسلبوه حقوقه جملة واحدة.
تغيرت الأسماء والألقاب والمرتكزات،
ولكن هذه الحقيقة لم تتغير، بل إن (راكب
الدبابة) أو (لابس..) قد استطاع أن يربط
بوجوده مصالح قوى خارجية كثيرة، فضمن
لهذا الوجود أشكالاً من الدعم المباشر
أو الخفي.. ومن هنا تأتي صعوبة القضية،
وثقل المهمة ؛ فقوى الإزاحة الوطنية
على اختلاف توجهاتها غير قادرة على
تغيير النظام، أو تعديل مواقفه على
الأقل.
إن
أي خلخلة تحدث في بنيان النظام الداخلي
بفعل عوامل الحت والتعرية، تجد مباشرة
الغطاء الخارجي، الذي يسد الثغرة
ويرمم الخلل، ويكبت الجهد المعارض،
ويشارك في وأده والقضاء عليه.
وصعوبة
القضية، وثقل المهمة، تدفع كثيراً من
العاملين على الساحة إلى الهرب من (القضية)
الوطنية الأساسية إلى قضايا فرعية أو
جانبية يختلقونها ليشتغلوا بها، فإذا
فريق من هؤلاء الفرقاء المستضعفة
المنهكة يتصيد (كلمة) ندت من زميل له
على الدرب، أو (مقالاً) سار في غير
اتجاهه، أو (تصريحاً) لم يوافق مزاج
الآخر موافقة تامة، فيسارع هذا
المنتهك والمنهوك كلياً ليشتغل
بالاعتراض على لصيقه وموافقه، وليعرض
عضلاته في فنون الخطابة، أو في ادعاءات
قديمة بالحديث عن الثوابت.
إن
اختلاق (القضايا) الجزئية، وافتتاح
المعارك الفرعية، شغل الفارغين الذين
لا يجدون لأنفسهم عملاً حقيقياً على
الساحة يقومون به، أو جهداً نافعاً
يؤدونه، أو ربما لا يقدرون على مثل ذلك.
يرى
أحدهم البنيان قائماً بالجهد والكد
والتعب فيبادر، إذ يعجزه أن يبني مثله،
ليتساءل لم نسي هذا المسمار هنا، ولم
لم يكن هذا الباب مكان تلك النافذة ؟!
بينما يسير فريق آخر وراء السفسطة (الأرأيتية)
ليزجوا أوراق فراغهم بعد أن أكلت (الأرضة)
أعمارهم وأوقاتهم ليطرحوا تساؤلات
ويتخيلوا أجوبة، ويدوروا في فلك
ذواتهم.. بالضبط كما يدور الحاكمون في
دمشق والقوى المتكأكئة حوله حول
أنفسهم. ولو صار هؤلاء إلى سلطة لعادوا
إلى نهج النظام نفسه بل ربما أربوا
عليه.
في
طروحات سابقة كثيرة، أكدنا على ضرورة
أن ننضم جميعاً إلى الخندق الوطني
الجامع، وانتظرنا من النظام، ومن
الرئيس بشار بالذات أن يفعلها.. وأن
يخطو خطوة واحدة باتجاه شعبه ليتجنب
خطوات باتجاه المشروع
الأمريكي والمشروع الصهيوني، وقد كان
ما حصلنا عليه حتى الآن مخيباً، نتمنى
ألا تكون على الساحة السورية أجمع
معارك جانبية، وأن تكون المعركة
الوطنية المطلقة هي مع المشروعين
الأمريكي بأبعاده السياسية
والرأسمالية المقيتة، والمشروع
الصهيوني بأبعاده المدمرة لبنية الأمة
ووجودها.. ولكن الأمر ليس بأمانينا،
بعد أن ثبت أن هناك من يراهنون على مناط
القوة المادية الحقيقية التي يمثلها
المشروعان الأمريكي والصهيوني،
راغباً عن القوى المعنوية الحقيقية
التي يمثلها مواطنون مستضعفون، لا
يزنون بميزان القوة المادية (نقيراً)
هذا هو المنطق التي يناقش بها القوم
القضية، فالممسكون بزمام المعادلة
يفضلون قوة عظمى يستقوون بها أو على
مذهب من عَبَدَ الشيطان يتقون شرها،
على شعب مستضعف يريد أن يتقوى بمن
ادعوا أنهم حماته !!
وهكذا
تشابكت قضية المعارضة السورية، وازداد
ثقلها ؛ إذ ارتبط مشروعها بمقاومة
ثلاثة مشاريع متداخلة: مشروع
الاستبداد بكافة أبعاده المراهنة على
الوطن والإنسان، والمجدول مع
المشروعين الأمريكي والصهيوني على
اتفاق واختلاف بينهما.
هذا
هو في مركز (الشرق العربي) مشروعنا،
وهذه هي قضيتنا الأولى، ولا ثاني لها
حتى استحقاقها، هذا هو قدرنا، كم يتمنى
الإنسان (أن غير ذات الشوكة تكون..) له ؛
ولكن (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل
الكتاب).
5
/ 8 / 2003
|