برق
الشرق
رحم
الله امرأ أراهم من نفسه قوة
عندما
وصلت جيوش الفرنجة، تحت راية الصليب،
في القرنين الحادي عشر والثاني
الميلادي إلى عالمنا الإسلامي، وجدوا
حضارة تفوق حضارتهم، ومجتمعاً أرقى من
مجتمعاتهم. وجدوا قيماً وعلماً وثقافة
وأخلاقاً وسمواً ونبلاً وعادات مدنية
وتقاليد رفيعة. فاقتبسوا من العلوم
وتعلموا الرقي في العادات، والمدنية
في العلاقات وأساليب الطعام والشراب،
اطلعوا على كثير من سنن الفطرة في
جزئيات الحياة. ثقفوا معاني الرحمة
والإنسانية والفروسية والرومانسية.
وفي كتاب الاعتبار للأمير أسامة بن
منقذ لمن أراد الكثير...
واليوم،
بغض النظر عن الأبعاد العسكرية
والسياسية للاحتلال الأمريكي للعراق،
وعن إدانتنا المطلقة لهذا الاحتلال
ببواعثه ووسائله وأهدافه ؛ فإنه يبقى
نافذة للقاء الإنساني العقائدي
والحضاري والثقافي والاجتماعي. في
حشوة هذه الملابس العسكرية التي يتحرك
فيها جندي احتلال. هناك (إنسان.). (إنسان)
سيكون هذا اللقاء بالنسبة إليه فرصة
تاريخية للإطلالة على (الآخر) قد لا
تتكرر.
من
المهم أن ندرك أن كل واحد من هؤلاء
الجنود ليس هو (الشرير بوش أو رامسفيلد
أو كوندوليزا رايس أو باول) وإن كان
يمثلهم بوجه من الوجوه ويأتمر بأمرهم
وينفذ مخططاتهم.
إن
معادلة المقاومة المفتوحة ضد هذا
الجندي الغازي، بقرار قيادته، ليست
بسيطة ولا سهلة. ثمة بعد حضاري وآخر
إنساني في معادلة المقاومة هذه مطلوب
من المجتمع العراقي، وهو مجتمع حي
بقيادته الروحية والثقافية أن يبادر
إلى وضع استراتيجية لها وبكل أبعادها.
إن
في مجتمعاتنا العربية، مع كثير مما
نعانيه من وهن وقصور وتخلف، مرتكزات
لعلاقات إنسانية أكثر ألقاً وأرحب مدى
مما أرادته إدارة الشر، ومما يعيشه هذا
الجندي المحاصر في إطار ضروراته
الحياتية، وغرائزه الفردية. والمضروبة
عليه سجف إعلام موجه يرمي به في تيه
الحيرة والضلال. يجب أن يكون ضمن
استراتيجية المقاومة المنتظرة إبراز
الجوانب الإنسانية المضيئة في
حضارتنا، والتوجه، مع الاحتفاظ بحقنا
في الفعل المقاوم بكل أبعاده، إلى
الإنسان القابع في أعماق الجندي.
مرة
أخرى نكرر أن المعادلة صعبة، ولكن لا
بد من القيام بحقها.
في
التعاطي الحضاري الذي سيشتبك مع هذا
الجندي بوجهيه، يتأكد معنى قول الرسول
صلى الله عليه وسلم يوم دخل مكة بعد
الحديبية (رحم الله امرءاً أراهم من
نفسه قوة..)
المطلوب في سياق المقاومة
المفتوحة، والاشتباك الحضاري بوجهيه
إبراز القوة والنقاء. إبراز التفوق
الإنساني. وتقديم الحضارة الإسلامية
الألقة من خلال مجتمع حي متحرك هو
المجتمع العراقي.
ولعل
العراق بجذوره الحضارية الضاربة في
التاريخ، وبقدراته البشرية وطاقاته
المذخورة، وبإنسانه الأكثر اعتداداً
بالنفس، هو الأقدر على أن يوظف الحدث
الفاجع ليخرج من بين الفرث والدم لبناً
خالصاً.
إن
الانتباه إلى هذه النافذة في معركة
العراق القادمة، تحتاج إلى وعي
القيادات العراقية، وإلى نباهتها. إن
قدرة هذه القيادات على استيعاب
الموقف، وتجاوز القرح، والإمساك بروح
المجتمع لدفعه إلى الموقف الرشيد هي سر
النجاح والانتصار.
فكم
مرة في تاريخنا انتصر المغلوب على
الغالب، فحمل إليه رسالة الحضارة
والإنسانية حتى جعله يعض الأصابع على
ما اقترفت يداه. نصر آخر أن يعود الجندي
الأمريكي إلى وطنه يحمل معه مشاعر
الألم والمرارة وتأنيب الضمير لما
تسبب من أذى لأمثاله من بني الإنسان.
ثم إن السعي إلى مصادرة
السلبيات من عادات وتقاليد لا أصل لها
في ديننا، ولا تنتمي إلى حضارتنا، ولا
إلى سلوك إنساني رشيد،
مما يجب أن نكون أكثر انتباهاً له
وحذراً منه.
لن يضير العراق، ولا أبناء العراق، أن
يكون في ثناياهم نسبة قليلة من ضعاف
النفوس، مادام هؤلاء القلة لا يحجبون
وجه المجتمع الحقيقي الكثير والطيب.
ستكون
مقاومة الاحتلال بكل ألوانها مشروعة
أمام الشعب العراقي. ولكن سيكون في نبل
صلاح الدين، في رد وليد لأمه، إشارة
إنسانية لها أبعادها.
التصفيق
لجندي الاحتلال يجرح قلب الأمة، ويكسب
صاحبه في عين المحتل الذلة والمهانة.
مرة أخرى رحم الله امرءاً أراهم من
نفسه ومن عقيدته ومن أخلاقه قوة.
26
/ 4 / 2003
|