آخر تحديث يوم الخميس 20 - 03 - 2003م

.....

رسالة خاصة جداً

 د عاطف صابوني*

لا أعرف كيف يمكن أن يكون الحال لو أن هذه المواطنة الامريكية ابنة الثلاثة والعشرين ربيعا كانت قد قتلت خطأ على يد أحد المقاومين الفلسطينيين, أو أثناء عملية للمقاومة اللبنانية,أو انفجار لغم داخل العراق,و هل كانت أمريكا ستصاب بداء الصم والخرس الفظيعين المصابة بهما مع مقتل هذه الشابة ( راشيل)؟, فما بالك لو أن جرّافة عراقية أو سورية أو سودانية دهست عمدا مواطنة أمريكية ؟ وبالطريقة الفظيعة التي مارستها جرافات اسرائيل؟.

واذا كانت اسرائيل مستعدة بالفعل لدهس الجميع بمن فيهم المواطنون الامريكان , فما هي حجم المجازر الفعلية التي تلحق باخواننا في فلسطين؟.

هذه رسالة أولى أوجهها الى امريكا ( زعيمة العالم المتحضر ) , والى رأيها العام , وهو الجزء المتعلق بهم ولهم الحق في معالجته.

أما الرسالة الثانية ففيها جزء متعلق بنا , وهي رسالة ذات شقّين:

الشقّ الاول موجه الى أولئك الحكام العرب المختلفين والمتسابّين والمتملقين القدم الامريكية, اولئك الساكتين عن هذه المجازر , العاجزين عن منعها او حتى اداتنتها اقول:

بئس ما أنتم فيه , وبئس ماأنتم عليه , الشابة الامريكية (راشيل كوري ) افتدت أجساد أبنائكم بجسدها وهي التي لو ارادت زيارة بلدانكم سائحة أو جندية ( مارينز ) لاحتفيتم بها وحميتموها وتمسحتم بها, لكنها أرادت أن تعلمكك ما أنتم له تجهلون, فبئس ما تعلمتم.

ماذا فعلتم يامن ترفعون أعلام الصهيونية في قلب عواصمكم لحماية اخوانكم في غزة وجنين؟

لماذا لاتشكلون درعا بشريا منكم ومن وزرائكم ورجال أمنكم الشخصيّ , يقف امام الجرافات التي تسحق الناس والزيتون؟.

لماذا لاتصطفون أمام الدبابات كما يفعل أصغر الاطفال في فلسطين؟.

لماذا لايكون الاستشهاد أحسن النهايات لكم؟.. تبا لكم .

ألا تشعرون بالخزي والعار؟, وهل يمكن للتبلد وقلة الاحساس ان يبلغا بالانسان هذا المقام؟.

شكرا لك أيتها الشهيدة المنسية, لقد قدمت ما عجز عنه اولئك المتخاذلون.

أما الشق الثاني فهو موجه الى شعوب الامة العربية والاسلامية بأسرها, وانا المتخاذل منهم, واقول لنفسي ولهم: الى متى؟

الى متى هذا الذل وهذا الهوان ؟, لقد قدمت هذه الشابة الفتية جسدها دفاعا عن اخوانكم, فأين انتم ؟ أين عروبتكم ؟ اين اسلامكم ؟

اين الوعد بنصرة الحق والدين ؟ اين حب الشهادة ؟ اين الفداء والتضحية ؟ اين احفاد صلاح الدين ؟.

اما الرسالة الاخيرة فهي تعنيني , وهي خاصة جدا , اوجهها لروح هذه الشابة الشهيدة واقول لها :

فليرحمك الله سيدتي وليتقبلك الله مسلمة ومؤمنة وشهيدة  في مهمة عجز عنها حكام المسلمين, ان فيك ياسيدتي فطرة الاسلام التي لم نجدها في الكثيرين ممن نطقوا الشهادتين, لقد وقفت امامنا وامام الله وقفة عجز عنها الكثير من الرجال, انني اليوم أبكيك أكثر مما بكيت في أي وقت مضى على أي شخص مات.

صحيح ان دمك الطاهر ( واجزم بطهارته ) ليس الوحيد الذي سال او سيسيل على ارض فلسطين, لكن الصراع يعنينا, والشهادة عندما تكون لنا , تكون دفاعا عن اعراضنا وترابنا, وهي بهذا تكون حق لنا وواجب علينا, أما بالنسبة لك فالامر مختلف كثيرا.

كان بامكانك ياسيدتي ان تقيمي في افخم الفنادق داخل القدس او تل ابيب, وترسلي تقارير عن (الارهاب الفلسطيني ضد الشعب اليهودي المسالم), وتقبضي الآلاف والملايين.

كان بامكانك ان ترتدي ( شورت الجينز ) و ( نظارات الريبان ) وتتجولي داخل الكويت او السعودية, وتتلتقطي الصور للطائرات الامريكية وحاملاتها وجنودها وهم يشربون الكولا والبيرة والويسكي, ويرمون علبها القذرة فوق اراضينا الطاهرة, وتقولي أن الجيش الامريكي ( المتحضر ) يدافع من اجل الديموقراطية في العراق.

كان بامكانك يا سيدتي ان تحتسي القهوة العربية المرّة , وتاكلي الكبسة الفاخرة داخل الخيم الاميريّة المكيفة, وتنامي فوق وسائد ريش النعام داخل القصور.

كان بامكانك ان تكوني زوجة سريّة لاحدهم, او عشيقة ثرية في لياليهم الملونة بكافة الجنسيات ومختلف التلاوين.

لكن قدر أصحاب الحق في زماننا هو قدر للمساكين.

لقد اخترت ان تكوني درعا واقيا لاجساد الابرياء في فلسطين, فوهبك الله فوق كل ماتتمنين.

هنيئا لك الشهادة يا اختاه, والويل كل الويل لنا ولحكامنا الظالمين.

لقد فعلت ما كان علينا فعله, فكيف يكون لقاؤنا مع رب العالمين

*باحث وكاتب – حلب .