العلاقة
السورية ـ التركية
بين
الثقافي والسياسي
نحن
مع كل خطوة إيجابية لرسم
الاستراتيجيات المستقبلية، وتعزيز
العلاقات بين الشعوب الأصيلة في
المنطقة. نتمنى أن تقع زيارة الرئيس
بشار الأسد إلى تركية في هذا الإطار.
وأن تكون نقطة تحول في الواقع الذي
كرسه (الاتحاد والترقي) بوجهيه
الطوراني والعربي من قطيعة وعداوة
وبغضاء. أهمية الزيارة أنها تأتي بعد
تسعة عقود تقريباً من فصم عرى الأمة،
وليس من استقلال قطر عن آخر كما يحاول
أن يصور البعض. لم تكن ولاية الشام
تابعة ولكنها كانت صميمة في بنية
الدولة.
كان
للعرب والأتراك كينونة موحدة، أنجزت
في ظل الإسلام تاريخاً قوياً مجيداً.
لم يخل هذا التاريخ، ولاسيما في عهوده
الأخيرة، من أيام سوداء، لم يكن
المسؤول عنها فريق دون فريق، بل لعل
هذه الأيام السود بدأت مع انقسام الأمة
إلى فريقين أو فرقاء.
في
إطار المتابعة لأبعاد العلاقة السورية
ـ التركية، ومع الأجواء المصاحبة
لزيارة رئيس الجمهورية إلى تركية نلحظ
تقدم: السياسي والاقتصادي، وتأخر
العقائدي والثقافي أو تناسيه، وهي
ملحوظة ذات انعكاسات مستقبلية على نمو
العلاقة وتطورها.
في إحيائنا المتجدد
للعلاقة، التي رفض الرئيس أن يسميها /جديدة/،
وأصر على أنها متجددة نرى أن السياسي
والاقتصادي ينبغي أن ينبثق عن (العقائدي)
و(الثقافي). وما نطرحه ليس
دعوة للتريث وإنما هو دعوة للمراجعة..
فالحرب الخارجية التي تدار علينا
جميعاً تتطلب وعياً وتصحيحاً لكثير من
الأوهام التي جعلناها حقائق، وتجاوزاً
للعفاريت التي نسجتها خيالات طفولية
في تقاذف التبعات.
الحدود
(التي نحلم باللحظة التي ننظر حولنا
فلا نراها) ليست خطوطاً مرسومة
الخريطة، وليست حقول ألغام تفصل بين
البلدين، كما أنها ليست نقاط عبور
ومراكز تفتيش فقط.. الحدود الحقيقية هي
(الحدود) النفسية والذهنية التي تقدم
الجار والشريك التاريخي على الرغم من
تباعد العصر على أنه (العدو) وسبب كل
البلاء !! وجعله حتى بعد قرن من (التشريق
والتغريب) رمزاً للانحطاط والتخلف
والعداوة والبغضاء.
الحرب
التي تدار على ذلك العهد ليست حرباً
على أشخاص، وإنما هي حرب على عقيدة
وثقافة. والتأسيس الحيوي والاستراتيجي
للعلاقة بين الجارين الشقيقين ينبغي
أن تقوم على وقف هذه الحرب، والسير في
طريق بث الأمل وتمجيد المشترك. نقول (الشقيقين)
لأننا نعتقد أن رحم العقيدة والفكر ليس
أقل شأناً من رحم النسب واللسان إن لم
يكن أكثر تقدماً عليه.
التأكيد
على المشترك لا ينفي الخصوصية، حين لا
تكون هذه الخصوصية (شوفينية)، أو حين لا
تتخذ ذريعة لتغطية العجز بتضخيم عيوب
الآخرين. المشترك الحي الموصول الذي
تقتضيه طبيعة العصر بحيث لو لم يكن
موجوداً لوجب اختراعه على حد تعبير
نزار قباني
(لو لم نجده عليها لاخترعناه..)
نطمح بأن تكون العلاقة
الحيوية الإيجابية هذه مؤسسة بين
شعبين، وليست فقط بين حكومتين. وأن
تكون الرؤية استراتيجية تاريخية وليست
موقفاً سياسياً عابراً. وأن يصل
الشعبان إلى حالة من توحد الرؤية في
أطرها العامة: الثقافية والاستراتيجية
والسياسية.
إصرار
الإدارة الأمريكية على إدارة حربها
الباردة على مناهجنا التعليمية
ومنطلقاتنا العقائدية والفكرية..
وضغوطها لإحداث تغيير يفرض بالقوة
علينا لتخريج أجيال تفكر بعقول
أمريكية، وقلوب تخفق بالحب للراية
الأمريكية ؛ يلفت عقولنا وقلوبنا إلى
خطورة التغذية الثقافية المضادة التي
نتبادلها مع أشقائنا في كتب التعليم
وأشكال التعبير الفني والإعلامي.
وتحتم المصداقية في تعزيز الرغبة في
إنشاء شبكة علاقات حميمة وقف جميع
أشكال هذه التغذية الخاطئة.
في
المقابل ومن إدراكنا الواعي والسديد
لمصلحة منطقتنا وشعوبها الأصيلة ألا
ينبغي أن نتمسك بطرح التغذية الثقافية
التي تعزز توحدنا وتجسد طموحاتنا.. حين
تكون التجزئة حقيقة واقعة فلا أقل من
فرض الثقافة التي تتجاوز بلوائها،
وتحد من آفاتها..
لكي
لا تكون زيارة الرئيس الأسد إلى تركية
رحلة عابرة، نتوقع وحدات عمل كثيرة
تنطلق لوضع أسس الرؤية وليس فقط
العلاقة.
7/1/2004
|