آخر تحديث يوم السبت 25 - 10 - 2003م

.....

برق الشرق

السياسي بين التنظير والتطبيق

الذين يُنظِّرون للسياسة نادراً ما يمارسونها. كتابة المذكرات هي ضرب من التاريخ الشخصي ليس إلاّ. ثمة محنة حقيقية لكاتب يزاول الكتابة وهو في موضع قرار. لأن الآخرين سيمدون له ألسنتهم كلما حلم أو أرتأى أو اقترح أو كتب عما يجب أن يكون.. فهم لا ينتظرون منه وهو في موقعه تنظيراً أو خطابة أو مناهج تفكير أو صياغة رؤى، أو طرح نظريات ؛ وإنما ينتظرون منه فعلاً وإنجازاً لما يتصور أو يعتقد. موقع القرار يعني أن يتحول كل ما دعا أو يدعو إليه الإنسان إلى واقع، فميدان القول غير ميدان العمل.

لا أحد يغفل عن أن تحويل الأفكار إلى خطط وبرامج ومن ثم تنفيذ هذه البرامج ليس بالأمر السهل والميسور، ولكن المطلوب من صانع القرار أن يسير في طريق تنفيذ برامجه، لا أن يقوم بالدعاية لها، أو التغني بطرحها..

خطيب جمعة موثوق طارت به شهرته لسنوات طويلة في بلده، وانتهت به إلى كرسي الوزارة، وما أن حال عليه في هذا الكرسي حول أو حولان، حتى خرج من الوزارة ومن الخطابة ومن الحياة العامة أجمع ‍‍!! خطبه التي كانت تثير إعجاب الناس وهو واحد منهم أصبحت بيانات إدانة مباشرة له، وهو على كرسي القرار، ثمة حس جماهيري عام لا يستطيع أن يجسر الهوة التي تفصل بين القول والفعل.

صحفيون كثر تسنموا كراسي المسؤولية التنفيذية، ثم كان الموقع رصاصة الرحمة التي أنهتهم على صعيد القبول النظري، لأن قراراتهم التي لم تتناسق مع دعواتهم صادرت كل قول يمكن أن يقولوه..

السياسي الفاعل وحده هو الذي يمكن أن يترك فعله يتحدث عن رؤاه وأفكاره ومشاريعه. أما حين يستنجد بالبيان ليكفيه مؤنة الفعل فإن البيان لا شك قاتله.

25 / 10 / 2003