برق
الشرق
الصعلكة
السياسية
الصعلوك
في لغة العرب، الفقير الذي لا شيء له.
والصعلوك في العرف القبلي الجاهلي،
الفاتك الذي خرج على قومه فتحمل من
الجرائر ما لا قبل لهم به فنبذوه،
وخلوا بينه وبين طالبيه، لا يتحملون
جريرته ولا يطالبون بدمه.
وهؤلاء
الفتاك ظاهرة عامة في الحياة
الإنسانية موجودة في كل بيئة وتحت كل
لبوس يفخر أحدهم بنفسه فيقول:
إذا
هم ألقى بين عينيه همه
ونكب عن ذكر العواقب جانباً
يرد
على من يقول :
(من
لم ينظر في العواقب
فما
له في الدهر صاحب)
على
صعيد الخطاب الإسلامي، يُسقط السائرون
على هذا النهج فقه المصالح والمفاسد
وميزانية (الدرء والجلب) الذي كان
أكثر الأئمة إلحاحاً عليه ابن تيمية
رحمه الله تعالى، لاختلال حبل الأمة في
عصره، وكثرة النوائب التي انتابتها.
وهكذا
فعلت الصعلكة السياسية، والمصطلح
للدلالة وليس للذم، فعلها في تشويش
حال الأقطار أولاً، والأمة ثانياً، في
حركة مرهونة بفقه اللحظة، أو حدة
الانفعال، أو تعلق بظاهر نص، والإعراض
عن مقترناته الخاصة، وتجاهل مقاصد
الشريعة العامة.
ويقوم موقف الصعلكة هذا على
مكونين أساسيين: أحادية في التفكير
العام، وغلو في تقدير الذات والإعجاب
بها.
سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لنعيم بن مسعود: إنما أنت رجل واحد فخذل
عنا ما استطعت. و(التخذيل) عمل
سياسي ضد (التأليب) الذي يمارس
اليوم لإغلاق منافذ الحوار، ومصادرة
مساحات الحركة.
وإذا
كنا في الأصل ضد كل أشكال الفعل القائم
على أحادية الرؤية، أو الغلو في تقدير
الذات، أو تحميل الأمة جرائر أعمال
فردية لا قبل لها بها؛ فإن السياق
الخاطئ نفسه لا ينبغي أن يخلو من نوع من
التوازن والمبدأية واستخدام سياسات
التخذيل ضد التأليب.
لم
تكن المصلحة يوم الأحزاب أن يحارب
الرسول صلى الله عليه وسلم قريشاً
وغطفان وبني قريظة ؟! بل كانت المصلحة
في فك هذا الحلف ولو إلى حين. فأين
تفكير هذا الذي يحزم العالم كله في
حزمة واحدة فيضرب يميناً وشمالاً، دون
نسق أو رؤية. وإن كنا كما قررنا ابتداء
نرفض كل هذه الفقاعات التي تحمل إلى
أمتنا المزيد من عوامل الرهق
الاستعداء.
ثم
أي تقويم للواقع هذا الذي يستهدف
المساحات التي يتنفس فيها المسلم
نوعاً من الحرية والأمن في عصر عز فيه
الأمن وغابت الحرية.
من
المستفيد الأول، من قلقلة وضع اليمن،
وفتح جبهة داخلية فيه، وهو مرتكز من
مرتكزات الحياة الإسلامية العامة
الآمنة والمستقرة ؟!
ومن
ثم من المستفيد من محاولات زعزعة
الاستقرار الداخلي في بلد مثل الأردن،
حيث يحظى الإنسان بمستوى من الشعور
بالكرامة الإنسانية، والحقوق
الشخصية، والحريات السياسية، مما
يعتبر حلماً فيما يجاوره من أقطار. هذا
إلى جانب حساسية الموقف الخارجي
بأبعاده: العسكرية والسياسية
والاقتصادية ؟!
حتى
في السياقات الخاطئة يتطلب الأمر بعض
المنطقية والعقلانية وفرز الساحات
وتوفير المرتكزات؛ ولكن حتى هذا يبدو
مفقوداً في الصعلكة السياسية المعاصرة.
14
/ 1 / 2003
|