برق
الشرق
سورية
قرار
مجلس الأمن 1483 حول العراق محاولة لفت
النظر
تمثل
النرجسية أو الفتون بالذات الطابع
العام للمواقف السياسة السورية، التي
غدت بفعل حدة الضغوط، متأرجحة بين
العصا والجزرة، بعيدة كل البعد عما
كانت تتمتع به من استقرار ورزانة. ولقد
شكل موقف الحكومة السورية من قرار مجلس
الأمن رقم 1483 والقاضي برفع العقوبات عن
العراق لمصلحة قوات الاحتلال، والتي
فرضت منذ بضعة عشر عاماً ؛ محاولة
بدائية للفت النظر إلى الذات، وإشارة
قاصرة إلى تميز غير محمود. أو لعل
اضطراب الموقف السوري من القرار
المذكور تعبير عن تجاذب في مركز صنع
القرار في دمشق.
فلقد
تغيب المندوب السوري عن الجلسة
الرسمية لمجلس الأمن التي عقدت مساء
الخميس 22/5، وفوت الوفد السوري على
نفسه، وعلى الأمة العربية، فرصة
الإدلاء بشهادة، وتحديد موقف من قرار
سيعتبر مدخلاً لتكريس الاحتلال،
وشرعنته وإطلاق يده في ثروات العراق..
وظن المراقبون أن الغياب السوري هو
محاولة خجول لخرق الإجماع الذي تحرص
عليه الولايات المتحدة في مجلس الأمن،
للتدليل على أن لا أحد يخرج على أمرها
في هذا العالم..
ولكن
ما أن يتلقى وزير الخارجية فاروق الشرع
اتصالاً من نظيره البريطاني(؟!؟!)، حتى
تمضع سورية انتقاداتها المرة التي
وجهتها الصحف السورية عشية انعقاد
المجلس. قالت صحيفة الثورة على سبيل
المثال (إن الهدف الأساسي
للمشروع الأمريكي المدعوم من بريطانيا
وإسبانيا يصب في اتجاه التحكم بثروات
العراق، والتصرف بها خارج إرادة شعبه
وهو نفس الهدف الذي تم لأجله احتلال
العراق).
مضعت
سورية هذه الانتقادات. وسارعت بعد
انفضاض السامر إلى إيداع موافقتها على
القرار في مجلس الأمن، ليصدر عنه قرار
إجماعي يعترف (بان القوات المحتلة
للعراق لها سلطة ومسئولية وواجبات
محددة..) و(يشكل صندوق لتنمية العراق
تحت إشراف المصرف المركزي العراقي..) و(تصرف
أموال صندوق التنمية بمبادرة السلطة..)
(يمول مليار دولار فوراً إلى صندوق
التنمية..) إلى آخر مخولات إطلاق اليد
التي لم يجد فيها الذين درسوا القرار
ملياً أي مثار للاعتراض.
ندرك
أن سورية لا تملك حق النقض في مجلس
الأمن، وأنه لم يكن بإمكانها أصلاً
الحيلولة دون صدوره، ولكن كان
بإمكانها بكل تأكيد الاعتراض عليه.
وتسجيل موقف (المعذرة) العربية لهؤلاء
الذين أرادوا العراق وثرواته قصعة
فتدعوا عليها تداعي الأكلة. فموسكو
باعت صوتها للولايات المتحدة مقابل
تطمينها بأن الأخيرة ستحترم العقود
المبرمة سابقاً مع العراق، كما ستتكفل
بأداء الديون التي لروسيا عليه،
وفرنسا رأت في التصويت على القرار
حلاوة الصلح بينها وبين واشنطن بعد أن
كدرت المواقف السابقة بحيرة الصفاء.
فور
صدور القرار، الممهور بالطغراء
السورية، بدأت دول الاحتلال في ممارسة
صلاحياتها بحل الجيش العراقي، وتسريح
موظفي وزارات الدفاع والإعلام والعدل،
مما سيؤدي إلى حرمان أكثر من ثلاثة
ملايين عراقي من مصادر دخلهم (على
اعتبار أن تعداد القوات النظامية،
قريب من نصف مليون وأن متوسط عدد أفراد
الأسرة ستة أشخاص.)
السوريون
الذين درسوا القرار ملياً قبل أن
يباركوه، ويكرسوا سيطرة الاحتلال على
ثروات العراق، لم يجدوا فيه ما وجدته
مصر التي رأت أن من الواجب أن يتقدم
تشكيل حكومة عراقية على هذا القرار
لتكون هي الوصية على العراق الإنسان
والثروة. حيث قال صفوت الشريف وزير
الإعلام المصري عن القرار (.. إنه منقوص
لأنه يأتي نتيجة احتلال العراق وليس
مواكباً لإقامة حكومة عراقية يرضى
عنها العراقيون..) كما أكدت مصر على
لسان أسامة الباز المستشار السياسي
للرئيس حسني مبارك أن الولايات
المتحدة وبريطانيا (تمثلان سلطات
احتلال وليس سلطات إدارة أو سلطات لها
سيادة.).
والموقف
السوري الذي درس ملياً !! لم يتنبه إلى
الحقائق التي أثارها السيد عدنان
الباجة جي وزير خارجية العراق السابق
عندما صرح أن قرار مجلس الأمن الذي
وافقت عليه سورية يضفي الشرعية على
الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق.
وانتقد القرار 1483 مشيراً إلى أنه لن
يؤدي إلى إقامة حكومة عراقية معترف
بها، ما يعني أن الدولة العراقية
المستقلة التي صنعها الآباء والأجداد
زالت من الوجود. وهذا الإشكال يجب أن
يعالج حتى لو تطلب الأمر إصدار قرار
جديد. يبقى السؤال المطروح على القيادة
السورية قائماً إلى أين تسيرون ؟!
بل إلى أين تقودون الشعب والوطن ؟!
26
/ 5 / 2003
|