آخر تحديث يوم الثلاثاء 19 - 08 - 2003م

.....

برق الشرق

أمـة .. سوبـر

وهكذا كان سوبر ستار..

انشغلت الأمة، تلهفت، تنابذت انقسمت في ليلها الطويل المظلم الباكي، ليل فلسطين المقهور ينغرز جدار شارون في لحمه بين شقيه، وبين ليل العراق الدامي، تنتهك الحرمات، وتستنزف الخيرات، وتدنس الأرض، وبين ليالي السودان السوداء، حيث لا يكاد (قرنق) يرضيه إلا أن يخلع السودان الربقة، ويرتد عن الملة، وليل الليل الذي يسود العوالم العربية والقلوب العربية والنفوس العربية.. ويغطي على الجميع ليل: (يا ليل يا عين)، لتشغل الأمة أو تنشغل بما يزري ويخزي !!

كنا نظن أن بعض هذا اللهو هو شغل الفارغين العابثين ممن لا يخلو منهم مجتمع. أهل بطالة وعطالة (يشترون لهو الحديث..) ليشغلوا الأمة عن مصائبها وعن مواجعها، وعن استحقاقات العصر الذي تعيش، وواجبات الوقت التي تفوت.

ولكن ماراثون (يا ليل يا عين..) تجاوز حده، وعم وطم حتى شغل العامة وتعداهم إلى الخاصة، وترقى إلى رجال الفكر والإعلام والسياسة. وغدا سكيناً يفري الأديم، ويثير النعرات، ويعزز العصبية في موطن أحوج ما تكون الأمة فيه إلى التسامي والارتقاء.

هل حقاً أن (الكعكة) تستحق كل هذه (الدعكة) ؟! هل حقاً أن رعاية (المبدعين) و(المبدعات) تمر عبر هذا الطريق الهابط إلى وهدات اللهو المضيع للحقوق والواجبات ؟! وكم في أمتنا من مبدع حقيقي، تغلق في وجهه أبواب الرعاية، ولا ينال حظه من العون والتأييد لأن إبداعه يأخذ مسرب الجد الذي لا يأبه له الكثيرون ؟!

كم لدينا من عقل محجور عليه في ظلمات الزنازين، أو مهاجر هجره وطنه قبل أن يهاجر منه هو، لأن أحداً في وطنه لم يقبل أن يعينه على أن يروي مداد عبقريته أرض وطنه الظمأى للفعل الجاد والإبداع الحقيقي.

حديث (سوبر ستار) في ظرفه الحالي وفي تداعياته المثيرة للرعب وللإشفاق، والتي فاقت حتى تصورات الذين اقترحوا مشروعه ونفذوه ؛ تنم على أن أمتنا غدت (أمة سوبر) تركز ماضيها وحاضرها ومستقبلها في تكريس (مغن أو راقص أو لاعب كرة..) في حين صعب عليها حتى أن تفكر فيما فوق ذلك حيث قنع كل واحد منا أن يكون في إطار التنافس الحضاري الحقيقي والجاد: (الطاعم الكاسي..)

رحم الله مصطفى السباعي يوم كتب: خذوا من أمتنا كل الراقصين والراقصات والمغنين والمغنيات والعابثين والعابثات.. وأعطونا عالماً واحداً أو مخترعاً واحداً..

ما أحوجنا إلى ذلك المخترع الواحد الذي يخترع لنا المركّب أو المركب الذي يخرجنا من ذل المهانة والخواء والضياع. ومرة أخرى سيظل هذا الليل يظلل حياتنا مادمنا تائهين خلفه ننادي (يا ليل.. يا عين).

19 / 8 / 2003