برق
الشرق
سورية
خطوة
إلى الوراء تغني عن خطوات .. ولكن
حسمت
الحكومة السورية أمرها على ما يبدو،
وما نظنها قد ترددت أصلاً، وقررت السير
في الطريق الذي تخاله أكثر (أمناً)
وأكثر (ضمانة)؛ طريق الاستجابة
للسياقات الأمريكية الصرف أو الممزوجة
بسياقات صهيونية وإقليمية أخرى !!
الناصحون
العرب من
الطابور الأمريكي، يسهلون على النظام
السوري التراجع، ويزينون الاستسلام،
ورصيدهم من الكلام المعسول (أي الممزوج
بالعسل !! ) كبير. وقدرتهم على تسمية
الأشياء بغير أسمائها تثير الاستغراب
والاستهجان.
في
نصيحة خالصة حملتها إحدى كبريات الصحف
العربية يقول كاتب أو كاتبة، وهو أو هي
(يروج) كل الصَّغار المطلوب من سورية
أمريكياً وصهيونياً: (( فالمطلوب من
سورية أمريكياً حسب هذا الناصح هو ألا
تعرقل (خريطة الطريق) أي أن تؤيد
التنازل عن فلسطين: الأرض والحق
والقضية. (وأن تقفل مكاتب المنظمات
الفلسطينية المعارضة لها) أي أن توجه
ضربة قاضية للمقاومة الفلسطينية، (وأن
تمنع وصول الأسلحة إلى حزب الله) أي أن
تلحق بالمقاومة الفلسطينية المقاومة
اللبنانية، (وأن تطلب من السلطات
اللبنانية نشر الجيش على الحدود (اللبنانية
ـ الإسرائيلية) أي أن تتحول الجيوش
العربية في سورية ولبنان إلى حرس حدود
إسرائيلي يدفع مستحقاته شعب القطرين
المنهك والمقهور)).
ويؤكد
أصحاب النصائح هؤلاء الذين نسلت
أقلامهم بعضها من بعض أهمية هذه
المطالب (الأمريكية) وجديتها (وأهمية
وجدية هذه الرسالة مردها أنها تحظى
بتأييد الأسرة الدولية بدءاً من الدول
العربية الكبرى مثل مصر والمملكة
العربية السعودية ووصولاً إلى الدول
الغربية بما فيها تلك التي عارضت النهج
الأمريكي في العراق مثل فرنسا..). وهكذا
يتحول المطلب الأمريكي الصهيوني إلى
مطلب عربي دولي ليسهل سماسرة
الاستعمار عملية السقوط الذريع.
والأبلغ من كل ذلك ما دأب هؤلاء الكتاب
على الإشارة إليه، نصيحة مبطنة
بالتهديد والوعيد: (وأفضل ما يمكن أن
تقوم به سورية في مواجهة التحديات
المطروحة هو الاستماع إلى نصائح
الأصدقاء، وتنفيذ المطالب الدولية)،
ولو بالتنازل عن كامل الجولان.. (لأن
الضغوط الاقتصادية والسياسية عليها
وعلى لبنان ستتضاعف إن لم تنفذ ما هو
مطلوب) ولا يكتفي هؤلاء الناصحون
بالتلويح بالضغوط السياسية
والاقتصادية بل ينتقلون إلى التهديد
بالقوة العسكرية (علماً أن هناك قوات
أمريكية منتشرة على حدودها.. أي على
الحدود السورية) .
وفي
مقابل دعوات السقوط المذلة هذه، والتي
بدأنا نتلمس بوادرها على الساحة
السورية، هناك الموقف الأجل، الموقف
المحفوف بالمكاره القائم على تقديم
الحفاظ على الوطن على كل المعطيات
والمغريات وحتى على كرسي الرئاسة. أن
توضع المطالب الأمريكية بين أيدي
القوى الشعبية الحية، وأن يكون قرار
التعامل معها شعبياً لا رسمياً. عندما
صعب على الحكومة التركية أن تقول: (لا)
لانطلاقة الجيش الأمريكي من الأرض
التركية. ألقى عبء هذه الكلمة على
البرلمان الذي قالها بجدارة واقتدار.
خطوة واحدة إلى
الوراء يقوم بها النظام السوري باتجاه
الشعب، وليس في اتجاه (إسرائيل) ولا في
اتجاه (أمريكا) تغنيه عن كثير من
الخطوات. لأن خطوة إلى الوراء في اتجاه
العدو تعني الذل والهوان. وخطوة إلى
الوراء باتجاه الشعب والوطن هي خطوة
كريمة ومكرمة، ومعبر أسمى لمحراب
التاريخ. وإذا كان التحدي المفروض على
سورية صعباً وعسيراً فليترك شعب سورية
ليأخذ قراره، وليتحمل مسئولية هذا
القرار.
حين
أخذ أبناء جنين قرارهم صمدوا
ومازالوا، صمدوا أكثر مما صمدت بغداد،
رغم أن بغداد سمحت بعودة المفتشين،
وبتفتيش القصور وغرف النوم فيها،
وسمحت للطيران يجوب سماءها، وسمحت
باستجواب علمائها ورجالها ونسائها،
ونزلت عند كل الشروط التي يريد
المنهزمون دمشق أن تنزل عليها، ثم كان
ما لم يكن منه بد.
خطوة
واحدة إلى الوراء، إلى الشعب الحضن
الدافئ، والحصن الباقي المنيع، والسند
القوي؛ ثم نرى النتيجة كيف تكون وإذا
لم يكن من الموت بدّ، وهكذا نظن، فما
تفعلونه هو عين العجز.
8
/ 5 / 2003
|