برق
الشرق
قمة
شرم الشيخ
على
سورية أن تدير الظهر بإباء
أما
المواقف الأساسية الرسمية والشعبية من
قضايا المنطقة الرئيسية فقد أصبح
الحديث فيها من قبيل المعاد المكرور،
حيث لم يفلح الفرقاء المختلفون عربياً
في إقناع أحدهم الآخر بخطأ هذا الموقف
أو صوابية ذاك. وتكرست مواقف نهائية
لدى فريقين يؤمن أحدهما بجدوى التعاطي
العملي على الصعيد الفلسطيني، وينفض
آخرون أيديهم من هذا الواقع، ويلوذون
بالمقاومة المتاحة سعياً إلى تطوير
المعطيات.
في
السياسة مذهب يقول (دعهم يحاولون)،
ويبدو أن الذين تبنوا التعاطي العملي
مع الواقع مازالوا منذ كامب ديفيد
السادات أو منذ مدريد 1991 يحاولون. ولم
تقنعهم المحاولات الفاشلة أن يعيدوا
النظر في أوراقهم أو في خياراتهم. قلة
الحيلة أو اليأس من خيارات أخرى تفعل
أحياناً مثل هذا الفعل، فيحكم الإنسان
على نفسه أن مخرجه الوحيد هو العبور من
خرم الإبرة، مع إقراره بضيقه وحساسيته
!!
من
هذا الفهم، سيكون من قبيل المصادرة على
المطلوب المبادرة إلى إصدار الأحكام
حول قمة شرم الشيخ قبل الإطلاع على ما
سيجري فيها. ودعونا لا نقرأ المكتوب من
عنوانه، بل نسترسل مع كاتبه حتى آخر
سطر فيه.. إذا كان هناك من لا تقنعه
خارطة الطريق، فثمة من يقتنع بها
فلسطينياً وعربياً ودولياً، ولكن
الرافضين لخريطة الطريق ليسوا على
الضفة العربية فقط، وليسوا في موقع
قرار عربي أو دولي مؤثر، وهم بالتالي
غائبون عن شرم الشيخ وما سيجري فيه.
فلينتظروا الممسكين بالخريطة جيداً
ليروا كيف سيتصرفون.. ؟ أي هل سيستطيع
بوش وشارون وأبو مازن أن ينجزوا شيئاً
يقيموا به الحجة على الآرخرين في
دوائرهم الفلسطينية والعربية
والإسلامية بعيدة المدى ؟ ذلك متروك
لهم بدون شك.
إن الذي لا يستطيع الإنسان
تجاوزه في هذه القمة، في دائرتها
العربية، هو تعمد الإدارة الأمريكية
تغيب سورية عن المؤتمر!! ولقد أعلنت
سورية رسمياً أنها تقبل بما يقبل به
الفلسطينيون، والفلسطينيون في سياق
التصريح السوري هم أبو مازن وفريقه،
كما أغلقت سورية حدودها في وجه طالبي
الأمان من العراقيين حسب التعليمات
الأمريكية، وفصلت بين حزبها والحزب
العراقي، وأعادت انتشار قواتها في
لبنان ووعدت بالمزيد، وأصدرت سورية
تعليمات للمنظمات الحليفة على الأرض
السورية واللبنانية أن تعلن عن مواقف
وسياسات تدفع الحرج عنها، وسورية ألغت
التدريب العسكري من مدارسها
وجامعاتها، وأدخلت بدلاً منه نظام
المعلوماتية، كما ألغت اللباس الرسمي
لطلاب المدارس ذي النكهة العسكرية،
لكي لا يخدش اللون (الكاكي) الشعور
الحضاري المترف للجندي الأمريكي في
الشرق أو الجندي العبري في الجنوب،
وسورية قبل كل ذلك قدمت كل ما بحوزتها
من معلومات في ميدان مكافحة الإرهاب
للمتابع الأمريكي. متغيرات هائلة حدثت
في سورية منذ احتلال العراق استرضاء
لأمريكا. ومع ذلك فإن المنطق الأمريكي
الغريب يصر على استبعاد سورية عن
القمة، ويصر آري فلايشر على أن ما
فعلته سورية غير كاف لتحظى ببطاقة دعوة
إلى شرم الشيخ
!!
إن
الخلل الناشئ عن استبعاد سورية،
وبالتالي إماطة قضية الأرض السورية
المحتلة (الجولان) عن أجندة المؤتمر لن
يكون قابلاً للاحتواء. لا نظن أحداً
يسعى إلى استقرار (ما) في المنطقة
العربية أو في الشرق الأوسط كما
يقولون، يستطيع أن يفكر في تجاوز
سورية، مهما تكن الظروف.
ولا
نظن أيضاً أن الممثل السوري الذي ربما
يسمح له بحضور المؤتمر يوماً سيرضى أن
يتجرد من كل شيء حتى من هويته وكينونته
ليحظى بوعد أمريكي صهيوني، بفتح ملف
الجولان. وإذا وجد من يقبل بذلك فإنه
بالتأكيد لن يكون ممثلاً لسورية الوطن
والإنسان.
إن اهتزاز الرؤية الذي
يسيطر على مخيلة الرئيس بوش، والألغام
التي يحملها شارون كفيلة وحدها بتدمير
جهد المؤتمرين. وما علينا سوى أن نصبر
وننتظر، وما على سورية سوى أن تدير
الظهر بإباء.
4
/ 6 / 2003
|