آخر تحديث يوم الأربعاء 11 - 06 - 2003م

.....

برق الشرق

سورية بين عهدين

في الذكرى الثالثة لرحيل الرئيس حافظ الأسد، مايزال المواطن والمراقب يجيل الطرف بين عهدين. يقول المواطن: لو كان حافظ مكان بشار، لما جعل قبر أبيه مثابة !! ويضيف أليست زيارة القصر أجدى على مستقبل الرئيس القائم من زيارة القبر ؟!

ويؤكد مراقب: لقد انتقلت سورية والعالم في عهد الرئيس الأب من عالم ثنائي القطبية إلى آخر أحادي القطبية، وكان دور سورية في العالم الأول حاداً وصارخاً ومع ذلك فقد حافظت سورية على لهجتها ونبرتها. نعم لقد غيرت سورية مواقفها فذهبت إلى حفر الباطن، كما ذهبت إلى مدريد. ولكنها في تقدير الكثيرين لم تغير سياساتها. يضيف نحن الآن لا نعرف إلى أين نسير، ولا ماذا يراد منا وبنا.. ؟!

يعلق إعلامي غارق بين السطور: لقد كانت البوصلة واضحة. كنا نحدد الموقف من الحدث قبل أن يقع، نستشرف الموقف الرسمي في أدق تفاصيله، ونكتب في أرضيته وأفقه. أما الآن لقد فقدنا البوصلة. يحسبون على أنفسهم الكلمة، فكيف بنا ؟! نحن نحتاج في كل يوم إلى توجيه جديد، وحيال كل حدث إلى توضيح، الكلام أصبح كالدواء.. ومع كل دواء وصفة تشرح طريقة  الاستعمال: الزمان والمكان والمقدار. حتى الكلام عن الصهيونية أصبح مقدراً بمقدار، ما ينبغي وما لا ينبغي. يلف الموقف الضباب، بل يلف الوطن بأسره.. حين تتحرك وسط الضباب ينبغي أن تكون حذراً، هكذا هي السياسة السورية اليوم خائفة مترقبة حذرة. أظن أننا لم نكن بحاجة إلى كل هذا لو كان الرئيس حافظ بين ظهرانينا !!

وماذا عن الإنجاز تسأل سياسياً مخضرماً يراقب الوضع عن كثب، ماذا عن الإنجاز ؟ يجيب: الإنجاز غير قابل للقياس. إن ولدي الذي كان في السابعة عشر أصبح عمره الآن عشرين عاماً، هل تعتبر هذا انجازاً، على هذا الأساس فقد ازداد نمو من هو في مرحلة النماء، وازداد ضمور من هو في مرحلة الضمور. الزمن ليس دائماً عنصر المعادلة الإيجابي. السد الذي كان يريد أن ينقض انقض، كما فعل سد زيزون مثلاً.. سد زيزون لم ينقض في عهد الرئيس بشار طبعاً، وإنما انقض، أو كان يريد أن ينقض يوم بني.

ويردف أتمنى على الرئيس بشار، بروح رياضية عالية، أن يجلس أولاً مع نفسه، ثم مع من أهل ثقته ليقيس نسبة الإنجاز (الكلي) ثم الجزئي.

بصيغة بسيطة لو يحاول أن يجيب على هذا السؤال هل الوضع السوري العام اليوم أفضل مما كان عليه منذ ثلاث سنوات ؟‍‍! هل مدخلات صنع القرار السوري اليوم هي أكثر موضوعية وعلمية وجماعية وحرية ؟! حين تضبط في الوطن آلية راشدة لصنع القرار، على جميع مستوياته، ينضبط فيه كل شيء. من حق الرئيس  أن يشير إلى المعوقات الواقعية. ومن حقنا أن نذكر أن الواقعية ليست خضوعاً للواقع، وإنما هي تفاعل معه.

حين شطب الرئيس على بيانه الرئاسي، وقال: إنه مجرد منهج تفكير، لم نعد نملك المرجعية التي نقوم على أساسها الإنجاز. سقطت كل الوعود. وبقينا نبحر في العماء لم نقترب أو نقارب أي شاطئ، ولم نلمح أي بريق لوعد.

تحدث الرئيس عن غياب الاستراتيجية الاقتصادية، والانفعالية في القرارات السابقة التي قامت على أساس ردود الأفعال. وعد بإنجاز على مسارين إنجاز استراتيجية، وتفاعل واقعي مع المعطيات !! يتساءل المتابع ماذا تحقق على الصعيد الاقتصادي ؟ ويضيف لم ينجز حتى الوعد بإنشاء (مصرف) !!

ثمة على الساحة السورية من يترحم على الزمان الأول، يقولون بأنه كان هناك من يحسب الآخرون حسابه. اليوم ـ تنمروا ـ ويشيرون إلى الوهم المدعو (الحرس القديم)، يظنون أنهم لم يعودوا يحسبون حساب أحد. حتى توجهات رئيس الجمهورية وتعليماته وقراراته تلغى، أو يلتف عليها، ولا تلقى النفاذ !! كان في البلد رأس واليوم.. !!

يؤكد داعية حقوق إنسان على وجود فرجة، يقول من الصعب الحديث عن  انفراج. ويقول: كان الناس يعتقلون مداهمة في جوف الليل، واليوم يطلبون جهاراً  إلى مراكز الأمن في وضح النهار. أصبح للمعتقل أمل أن يقف أمام قاض في محكمة ولو كانت عرفية، وان يتلقى حكماً ولو كان قاسياً، وأن يطمع بنتيجة سعيدة كتلك التي حصل عليها إبراهيم حميدي مراسل الحياة.

الهواء راكد ورطب وحار حقيق أنك تحس بالاختناق ولكنك رغم كوابيس التراجعات، تحلم.

ثلاث سنوات تجربة كافية للمراجعة والتقويم، التهويم حولها لا يكفي، والقناعة بأن ليس في الإمكان أبدع مما كان طريق مزلة. والمنتظر بكل إخلاص من صاحب التجربة، الذي تعشق الرقم الشفاف الذي لا يكذب. المنتظر من الطبيب العصري أن يدخل المختبر قبل أن يصر على الوصفات الروتينية.

11 / 6 / 2003