التطويـر
الأمريكـي
أصبح
(التطوير) في البنية العربية الإسلامية
هذه الأيام مطلباً أمريكياً. فمادام
شرر النار العربية قد وصل إلى مانهاتن،
فإن الإدارة الأمريكية معنية بإطفاء
هذه النار على طريقتها. ومادام (التطوير)
مطلباً أمريكياً فهو لذلك مرفوض
مسبقاً عند البعض، وضرورة استراتيجية
وتكتيكية عند آخرين.
نعتقد
ابتداء أن (التطوير) منهجية إسلامية
بنيوية مستمرة. تنزيل النصوص على
الوقائع في إطار مقاصد الشريعة هو
العمل الأساسي لفقهاء الشريعة، الذين
استقالوا من أداء واجبهم منذ عصور،
وتركوا الشريعة تبدو في مظهر من خرج من
كهف بعد نوم طويل.. ولم يكن الذنب ذنب
الشريعة، ولا ذنب المنهج، ولكنه ذنب
المسلمين. ورحم الله من كتب منذ أكثر من
نصف قرن (الإسلام بين جهل أبنائه وعجز
علمائه)
ينبثق
الموقف من التطوير عن الهدف منه. إن
إعداد جيل قادر على القيام بأعباء
المشروع النهضوي والحضاري للأمة، ليس
مطلباً استراتيجياً فقط، وإنما هو
فريضة شرعية تأثم الأمة بتخليها عنه.
وذلك لا يتم إلا بتحديد منطلقات
المشروع ومناهجه وآلياته.
إنه
مشروع يبدأ من الإنسان، وينتهي عند
الإنسان، يبدأ من النخبة الواعية
الرشيدة وينتهي في المجتمع بكل شرائحه
وطبقاته. مشروع ترعاه: الدولة
بمؤسساتها الرسمية، والمجتمع
بمؤسساته المدنية، والأفراد المصلحون
بمبادراتهم الذاتية. ذاك هو مشروع
التطوير الذي يجب ألا نتوقف لحظة دون
الانخراط في معادلته.
أما
مشروع التطوير الأمريكي فإن أخطر ما
يتهددنا فيه التطوير الترقيعي أو
التطوير لمصلحة الآخرين. أما التطوير
الترقيعي فما نلاحظه عند البعض من
اندفاعهم إلى مراجعة جزئية أو تجميلية
لمناهجهم ومواقفهم بحذف جزئية هنا
وإضافة جزئية هناك، والزحزحة يمنة أو
يسرة حسبما تقتضي الريح الأمريكية. أن
نعتبر تدريس مادة الموسيقا في بعض
الأقطار خطوة تطويرية !! أو أن ندفع
بوجه نسائي تلفزيوني إلى بعض الشاشات..
أو أن نسند بعض المناصب الوزارية
للنساء في خطوات إجرائية شكلية. أو أن
نقفز عن مشاكل بلد مثل أفغانستان لنرى
في ظهور مغنية على شاشة محلية عملية
تطويرية !!
أما
التطوير لمصلحة الآخرين، والمقصود هنا
مصلحة المشروع الأمريكي فلا يخفى أن
هذا المشروع يريدنا أن نكون أتباعاً
جيدين ومستهلكين جيدين. وبين أرضية هذا
المشروع وسقفه تتوزع تقاسيم النخب
العربية الأمريكية.
17
/ 1 / 2004
|