تأجيل
القمة العربية
من
؟ ولماذا ؟
لم
يكن تأجيل القمة العربية على النحو
المفاجئ الذي تم به، قرارَ تونس، ولا
قرار زين العابدين على التأكيد. لأنه
بغض النظر عن الذرائع السياسية التي
ألقيت على التأجيل فما سوغته، ولا
أقنعت حتى من تلفظ بها، فإن فض السامر
العربي في اللحظات الأخيرة، بما يشبه
عملية الطرد، وقطع الطريق على
الزعامات العربية التي كانت في طريقها
إلى تونس بما يشبه إغلاق الباب في وجه
الضيف مما يتجاوز ليس الأعراف
البرتوكولية والديبلوماسية فقط،
وإنما آداب الضيافة العربية، وأسس
العلاقات الإنسانية، مما يؤكد أن
الرئيس بن علي الذي كان منذ البداية
محبنطئاً في قبوله استضافة القمة،
لأسباب خارجة عن إرادته.. وقد جاءه في
اللحظة الحرجة طلبٌ ممن لا يرد له طلب،
فأحرجه وألجأه إلى ركوب الصعب وإصدار
القرار بفض السامر.
أما
من هو الذي لا يرد له طلب في عالم
اليوم، فلا نظن أن الواقع يشير إلى غير
متعين واحد، يشير بإصبعه قوموا فيقوم
كثير من الناس، واقعدوا فيقعدون.
أما
لماذا ؟ كان هذا الطلب المفاجئ المحرج،
وعلى الخط الساخن لتأجيل القمة
العربية التي أخذت (فيزا) عبورها بعد
التأكد من البصمات الحاضرة والغائبة
فلأن حدثاً جديداً وقع على الساحة،
وفرض نفسه على القمة فلم يعد
باستطاعتها تغافله أو تجاوزه وهو لا
يزال ساخناً طرياً.. ذاك الحدث هو
اغتيال الشيخ أحمد ياسين.
كان
الشيخ أحمد ياسين دائماً في متناول يد
عصابة الإرهاب الشاروني. والرجل الذي
يخرج من بيته في غزة لأداء صلاة الفجر
في جماعة، ليس بعيداً عن صواريخ
الأباشي الأمريكية. ومن المضحك أن يفخر
شارون بأنه أشرف على العملية بنفسه،
فهول العملية بما فيها من فظاعة ووحشية
لا بما فيها من قوة وجرأة وذكاء.
وتصميم
شارون على اختيار التوقيت (قبيل القمة
العربية) كان من قبيل الإمعان في إذلال
حكام العرب، والاستخفاف بهم، والولوج
معهم في مضمار التحدي.
بالمقابل
كان المطلوب من الحكام العرب، ولو كنوع
من التهدئة لشعوبهم أن يردوا باستنكار
ساخن يكافئ بشاعة العملية ويحفظ ما بقي
من ماء الوجه.
وهذا
الذي أراد أن يتحاشاه من أجل القمة.
تؤجل القمة، ويدخل العرب في أخذ ورد،
في هذه الأثناء يبرد الدم، وتتحول
الجريمة إلى ذكرى، وتستطيع أي قمة
عربية أن تنادي بتجاوز الماضي، وأن
تدين أعمال العنف من الطرفين، من
الضحية والجلاد على السواء.. ففي
المفهوم العربي للسلام حرام على
المذبوح أن يختلج.. أما المفهوم الذي
يبشر به بعض الفلسطينيين فيطالب الشعب
الفلسطيني دائماً بأن يدير خده
الأيسر، وأن يتخلى عن حق تاريخي أو
جغرافي أو إنساني مقابل كرسي يجلس عليه
مغامر طامح.
أجلت
القمة، أو هدرت، في الفقه العملي
للجماهير العربية لم يؤجل شيء ولم يهدر.
واستنكار أو عزاء بمقتل الشيخ أحمد
ياسين لن يغير من واقع التاريخ شيئاً.
أحمد
ياسين مضى إلى ربه، وخلف مدرسة للرجال
لها قراءتها للواقع، ولها أساليبها
وأدواتها في التعاطي معه.
5
/ 4 / 2004
|