برق
الشرق
التغير
مدخل التغيير
قرر
القرآن الكريم التغير مدخلاً أساسياً
للتغيير، حسنه أو سيئه.. تتغير النفوس
سلباً أو إيجاباً، فيتغير الواقع
تبعاً لها، سنة من سنن الله مطردة. وكلف
الإسلام المسلم أن يكون في ارتقاء مطرد
متعانق مع الزمن، فقال (من استوى يوماه
فهو مغبون) أي من استوى أمسه ويومه فهو
مغبون. إذ، حسب الإسلام، لابد أن يكون
يوم المسلم خير من أمسه، وغده خير من
يومه.
التغيير
الذي تحدث عنه القرآن ذو مذاهب شتى:
تغيير نفسي شعوري، وتغيير عقلي معرفي،
وتغيير عملي سلوكي، وحين تطرد لولبية
التغيير الصاعدة في نفس الفرد، تطرد في
أحاد الحزمة فتعم المجتمع.
كثيرون
ينغلقون على مبلغهم من اليقين أو من
المعرفة أو من المعاملة والإنجاز
والإتقان، ويظنون أن ما وصلوا إليه هو
المطلق المشار إليه في قوله تعالى (واعبد
ربك حتى يأتيك اليقين) !! فإذا ظنوا أنهم
أدركوا اليقين تركوا طلب الارتقاء
للأعلى والأكمل، فحالهم النفسي
ومعارفهم الوجدانية أو العقلية قد
وصلت سدة المنتتهى فهي لا تقبل زيادة
ولا نقصاً ولا تغييراً أو تطويراً..
وعلى العالم أجمع أن ينقاد لما استقر
في نفوسهم أو في عقولهم، وليس عليهم أن
يعيدوا التفكير لحظة في معنى قوله
تعالى (إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ
الجبال طولاً..)
في
أواخر القرن التاسع عشر ظن بعض الناس
أن تقدم الإنسان قد بلغ منتهاه.. وأن
الوجود الكوني والحياة الإنسانية:
الشعورية والمعرفية والعملية قد ضرب
عليها سور لا باب له، تتقوقع فيه وتنمو
من خلاله، وذلك بعد الذي أدركه الإنسان
من قفزات ضئيلة، ظنها نهائية، على سلم
العلم والمعرفة.
ففي
سنة 1876 علق العديدون في جريدة بوسطن
الأمريكية عن التلفون، وكان فكرة طور
التجربة: (إنه من المستحيل أن ينتقل
الصوت عبر الأسلاك، وأن ذلك لن يحدث،
وأن هذا الشيء الذي يجرب لن تكون له
قيمة عملية) !!!
وفي
سنة 1878 علق أستاذ بريطاني بعد مشاهدة
المصباح الكهربائي في معرض علمي في
باريس بقوله: (عندما يغلق معرض باريس
أبوابه فإن المصباح الكهربائي سوف
ينتهي معه، ولن نسمع عنه بعد ذلك..)
وفي
سنة 1897 أعلن عالم فيزيائي بريطاني أنه:
(لا مستقبل للراديو). وعشية القرن
العشرين دعا تشارلس دويل مفوض مكتب
براءات الاختراع في الولايات المتحدة:
الرئيس ماكينلي إلى إلغاء مكتبه
مدعياً (أن كل ما يمكن اختراعه قد اخترع).
ومنذ
الإدلاء بهذا القول في 1899 تم تسجيل ما
يزيد على أربعة ملايين براءة اختراع في
الولايات المتحدة نفسها.
وعندما
وطأ الإنسان أرض القمر في أوائل
الستينات من القرن المنصرم كان
المكذبون أكثر من المصدقين والأعجب
والأغرب أن بعض من مال إلى التكذيب عضد
قصوره بحجج دينية لاهوتية: إسلامية
ومسيحية.
في
نظرية المعرفة الإسلامية، لا أفق
محدوداً للعلم والتطور والفهم.. ففوق
كل ذي علم عليم. وما يحيط الإنسان من
علم الله قليل قليل: (ولا يحيطون بشي من
علمه إلا بما شاء..) وفي نظرية القرآن
المعرفية، يرمى بالعيب والتشنيع أولئك
الذين أغلقوا عقولهم على ما لقنهم إياه
أب أو جد أو مجتمع أو بيئة (إنا وجدنا
آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)
(وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا
على آلهتكم..)
أول
شروط التغيير، حسب الإٍسلام، التغير (الشعوري
والمعرفي والعملي) أن يكون الإنسان
قابلاً دائماً لاستقبال الجديد من
الحقائق، ومناقشة الجديد من الأفكار،
والتعامل البناء مع المعطيات. أو ليس
هذا بعض معنى المجاهدة الدائبة
المستمرة المناطة بقوله تعالى: (والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا..) وبعض
مغزى الدعاء اليومي الذي يكرره المسلم
عشرات المرات: (اهدنا الصراط المستقيم..)
أوليست المجاهدة التي هي شرط التغير
بوابة الهداية، ثم أوليس تكرار طلب
الهداية من معانيه الالتصاق بالحق في
كل حين ؟! أليس هذا هو الحق (أم على قلوب
أقفالها..) ؟! وما أعظم وما أبلغ وأروع
القرآن (أم على قلوب أقفالها..) فهي قد
أغلقت على ما فيها لا تقبل إلا ما أشربت..
28
/ 7 / 2003
|