برق
الشرق
قبل
نلسون كانت الثورة الفرنسية
وللشعب
الفرنسي وقيادته التحية
حين
قدمت الولايات المتحدة أوراق اعتمادها
إلى شعوب العالم في ثنايا القرن
المنصرم، كان في يمناها وثيقة نلسون
لحقوق الإنسان، وفي تعاطيها السياسي
محاولات تبدو رؤوفة في احتواء سياسات
الاستعمار.
ثم
يكتشف العالم، ليس فجأة، أن ما كان في
يمين الولايات المتحدة أو في تعاطيها،
لم يكن قواعد ومبادئ، وإنما كان أوراق
لعب تفرد على الطاولة التي تختارها
الإدارة الأمريكية، عندما تريد !
وإذا
هي طور من أطوار الدولة التي قامت
أساساً على كاهل مجموعة من المغامرين،
الذين استباحوا، أول ما استباحوا،
البشر العزل من سكان القارة الأصليين
فأبادوهم، ثم تطوروا قليلاً في صورة
عصابات تكساس وشيكاغو وآل كابوني،
ليتجسد الطور الأخير في عصابة تسيطر
على البيت الأبيض، تفوح منها روائح
النفط، ويشع حولها شره (شيلوك ـ شكسبير)
لتسيطر من خلالهما على العالم أجمع
الذي ما فتئت تنظر إليه على انه ملك
شخصي، وترى في سكانه هنوداً حمراً،
حقها فيهم مثل حقها في سكان القارة
الأصليين.
الحرية والديمقراطية
ومواثيق حقوق الإنسان دعاوى يغرقها أو
يحرقها برميل نفط يتفجر في هذه الأرض
أو تلك.
في
فرنسا ودول الغرب الأوروبي ثمة شعوب
ذات جذور، غذيت شجرة الحضارة على أرضها
بجهاد أبنائها وتجاربهم ودمائهم.
فرنسا
هي مشاطئ أصيل للبحر الأبيض المتوسط،
امتزجت بحضارته وتفاعل أبناؤها مع هذه الحضارة في
عصور التاريخ القديم والوسيط والحديث.
غزا الفرسان الفرنسيون الشرق الأوسط،
وعايشوا إنسانه، انتصروا وانكسروا،
كان منهم أسرى بين يدي صلاح الدين، كما
كان ملكهم لويس الرابع عشر أسيراً في
دار ابن لقمان في مصر، التي احتلها
نابليون، وعجز عن أسوار عكا، كانت معه
يوم جاء إلى المنطقة، إلى جوار الحملة
العسكرية، كتيبة من العلماء والمفكرين.
لقد
أكسبت علائق الحضارة الإنسانية
بوجهيها الديبلوماسي والعنيف الشعوب
مزيداً من الخبرة والوعي، وأرست قواعد
الاحترام المتبادل الذي نشأ عن إدراك
الجميع أن الأيام دول.
يبرز
الدور الفرنسي الأصيل الرائد، في
مواجهة الهجمة الغرور على المنطقة، من
مذخور تاريخي عقائدي وثقافي مشترك (متقاطع
ومتضارب) يستمد من معين الثورة
الفرنسية التي كانت مدخلاتها حضارية
إنسانية عامة، حملت للعالم بحق شعارات:
العدالة والحرية والمساواة. فكانت
باريس عاصمة النور والتنوير ومهوى
قلوب الأحرار.
مبادئ
الثورة لم تكن بعيدة عن مدرسة صلاح
الدين وهو يعيد طفلاً لأمه، أو يأمر
بوقف الحرب لحفل عروسين من أعدائه، أو
يسقي أسراه بعد حرب مضنية ماء مثلجاً.
كما أنها لم تكن بعيدة عن الأندلس وما
شع في ربوعها من روح حضاري يعزز
التسامح ويعلي قيمة الإنسان. ومن هنا
مر بيكون وروسو ومنتيسكيو وسائر
الرواد الذين أبلوا في صنع حضارة
المتوسط، حضارة الإنسان.
يطل
علينا الرئيس جاك شيراك اليوم في صورة
سلفه الأول (ديغول) الرافض للتبعية،
المتمسك بشرف الموقف، الذي حرر فرنسا
الحديثة، وأقام لها جمهورية يحق
للفرنسيين أن يفخروا بها على العالمين.
ديغول رجل القرارات الصعبة أيام الحرب
الثانية، وأيام حرب الاستقلال في
الجزائر، ويوم مأساة السابعة والستين
في فلسطين، ويوم قرر أن يودع شعبه بعد
كل الإنجاز باستفتاء بسيط آثر بعده أن
يخلد للراحة.
الموقف
الرائد في مواجهة هجمة المغامرين
المتسلطين على العالم اليوم، لا
يستغرب من الفرنسيين، ولكنه مع كل ذلك
يستحق الإشادة والثناء والتقدير...
ولكل شعوب العالم المحبة للعدل
والسلام، وللشعب الفرنسي، وللرئيس جاك
شيراك التحية.
15
/ 3 / 2003
|