آخر تحديث يوم السبت 15 - 02 - 2003م

.....

برق الشرق

التقرير البريطاني المزور

تاريخ .. ودلالات

بغض النظر عن العلاقات التاريخية العسكرية لأمتنا بالغرب )الفرنجي( كما أطلق عليه أجدادنا، و)الصليبي( كما أطلق هو على نفسه، فإن علاقتنا المعاصرة ، بهذا الغرب، قد استؤنفت منذ ثلاثة قرون تقريباً، بطريقة أو بأخرى من الغزو العسكري والثقافي.

في مطلع القرن العشرين، ولأول مرة في تاريخنا القديم والحديث، دخلت أمتنا حلفاً عسكرياً مباشراً مع بريطانيا العظمى ضد ما تبقى من الدولة العثمانية، وكنا شركاء في النصر الذي حققته بريطانيا وحلفاؤها ضد الألمان وحلفائهم.

وكانت غنيمتنا الكبرى من هذا النصر: أن أصبحنا قصعة لحلفائنا، فقسم وطننا، وخضعنا لاستعمار بئيس. وكان البريطانيون بالذات، أوفياء لحلفائهم اليهود، فنفذوا وعد بلفور، وشردوا شعب فلسطين بعد مذابح مروعة يندى لها الجبين.

هذا الظلم الفادح الذي وقع علينا، وعلى شعب فلسطين، إنما جاء من (حلفائنا) لا من أعدائنا كما حصل لليهود مع (الألمان) في الحرب العالمية الثانية حيث تحالف اليهود ضد الألمان، وعملوا مباشرة مع الإنكليز، ورغم أن ما وقع على الشعب الفلسطيني سنة 1948 وما سبقها يفوق في فظاعته ما وقع على اليهود، فإن الضمير الأوروبي أجمع مايزال يشعر بالإثم تجاه اليهود ،وينظر بلا مبالاة مطلقة لما سببه للحلفاء (العرب)!!.

لسنا بصدد تسويغ القسوة التي وقعت على اليهود من قبل أعدائهم، وإنما نحن بصدد الموازنة بينما وقع علينا من حلفائنا، دون أن يهتز لهم ضمير.إن ما أوقعته بريطانيا على أمتنا يتسم بصفتين مغرقتين باللؤم هما: الغدر والقسوة وحسبنا بهاتين الخلتين مفاتيح عملية تنظم علاقات الحاضر والمستقبل .

واليوم، وبعد أن قدم رئيس الوزراء البريطاني (الجنتلمان) تقريره المزور، والمنتزع من دراسة أكاديمية، ليدين العراق، وليجد لنفسه ولحليفه مسوغاً لقتل أطفال العراق ونساء العراق، ولإحراق نخيل العراق، وتسميم مائه وهوائه، ينبغي أن تبقى في أذهاننا صورة الغازي (ريتشارد قلب الأسد) تجلل الإنسان الأوروبي، الذي لا يرقب فينا قط إلا ولا ذمة.

كثير من خطابنا العلماني ، ينحى باللوم علينا، ويشير إلى انحطاط وعينا عن طرائق القوم وأساليبهم. ويلمزنا بالتالي باننا نحن (المتطرفون) (القساة) (العنيفون)، بينما يظلون ينظرون إلى الإنسان الأوروبي الذي يمثله (بلير) و(بوش) بمنظار الإنسان المتحضر النبيل!!.

لقد أظهر تقرير بلير المزور للناس قاطبة أن لهذا الرجل الأنيق (أنياباً صفراً) و(مخالب حمراً)، وإن مثله مثل ذئب صائل أرهقه الجوع فراح يلوب بسعار نهم حول الفريسة.

 كثيرون من بني جلدتنا يلقون اللوم على (العراق) لسبب أو لآخر، وكأنهم يؤيدون الذئب في دعواه على الحمل بأنه قد لوث ماء الجدول من أسفله إلى أعلاه!!.

دلالات التقرير المزور بالنسبة إلينا ليست سياسية فقط، وإنما هي / حضارية / وإنسانية ايضا، فهؤلاء الذين تمدنوا في مساكنهم وملابسهم وأدواتهم هم هم منذ كانوا ذئاب على أجسادهن ثياب

15 / 2 / 2003