برق
الشرق
المطالبون
بتنحي الرئيس صدام حسين
من
السياسيين إلى المفكرين تتعالى
المعزوفة المطالبة بتنحي الرئيس
العراقي صدام حسين، وكأن الحرب التي
تهدد بها الولايات المتحدة العراق هي
حرب شخصية، بين زعيمي عشيرتين، أو
رئيسي مجموعتين مشاغبتين في مدارس
تكساس!!
إنه
مهما يكن تقويمنا لسياسات الرئيس
العراقي، ومهما يكن اتفاقنا أو
اختلافنا على هذه السياسات، فإن الذي
نقدر أن الأسباب التي من أجلها تعلن
الولايات المتحدة الحرب على الرئيس
العراقي، وعلى العراق، ومن ثم على
الأمة بأسرها؛ هي موضع اتفاق وتأييد من
كل من كان له قلب عربي تنبض فيه روح
الحرية والإباء.
يخطئ
من يظن أن الحرب الأمريكية المعلنة على
العراق هي للدفاع عن الديمقراطية أو
حقوق الإنسان. إن أسباب الحرب المكشوفة
للقاصي والداني تتمثل في هدفين
أساسيين: الأول هو تدمير القدرة
العراقية في مجال التصنيع الحربي، لأن
العراق تجاوز الخط الأحمر بمحاولته
دخول مضمار التوازن الاستراتيجي مع
العدو الصهيوني الممتلك لكل أسلحة
الدمار الشامل بأنواعها النووية
والبيولوجية.
والثاني
هو سعي الولايات المتحدة للاستحواذ
على نفط العراق، كما على نفط الأمة
بأسرها، هذا النفط الذي يراد له أن
يغطي عجز الميزانية الأمريكية
المستقبلي حيث يتوقع المراقبون
الماليون وعلى رأسهم ميتش دانييلز
مدير مكتب الإدارة والميزانية في
البيت الأبيض أن يبلغ هذا العجز في
السنوات (2003 ـ 2004) (315) مليار دولار حسب
ما أفادته وكالة رويترز. وهو عجز ناشئ
ليس فقط عن السياسات الحمقاء، وإنما
أيضاً عن الفساد الذي اعتبرت فضيحة (الأنونون)
مثلاً أنموذجياً له، وأن بقية حبات
السبحة الأمريكية ستتداعى تلقائياً إن
لم تسند بضمانات من البترول العربي.
إن
احتلال منابع النفط في المنطقة
العربية ومن قبل في بحر قزوين هو الذي
يراد له أن يجنب الولايات المتحدة
مصيراً كمصير الاتحاد السوفييتي الذي
نخره الفساد الاقتصادي.
حتى
الأمس القريب كان المفكرون والمثقفون
العرب يطالبون بتوظيف المال العربي في
التأسيس لصناعات عسكرية مستقبلية،
تحمي شرف الأمة، وتذود عن كيانها. إن
الغريب أن ينقلب بعض المثقفين
والمفكرين على هذا المطلب الجماعي
ويجعلون من سياسات العراق التي تستحق
التحية في هذا الميدان سبب إدانة،
ويطاوعون الولايات المتحدة في مطلبها
العدواني لوأد أي تفكير عربي في السير
بطريق القوة الصحيح.
من
جهة أخرى فإننا كأبناء أمة، مطالبون
بأن نرص الصف للدفاع عن ثروات الأمة،
وعن استقلالها، وحريتها. والبترول
العراقي لم يكن قط ملكاً للرئيس
العراقي، ولا هو ملك للعراق وحده،
وإنما هو ملك بشكل أو بآخر للأمة
بأسرها. وهذه حقيقة يجب ألا تنسى. إن
التأييد لأي عمدة أمريكي قادم على
العراق، يعني أننا استرعينا الذئب
ثروات العراق وسواد العراق، ومن
استرعى الذئب فقد ظلم.
مع
احترامنا للمثقفين العرب والأتراك
الذين طالبوا الرئيس العراقي بالتنحي،
نرى أنهم قد بنوا موقفهم على ظاهر من
العلم، لم يأخذ بالحسبان تقدير
الأسباب ولا النتائج. وهم لم يفكروا في
عواقب تنحي الرئيس العراقي، والمجريات
المتوقعة بعد هذا التنحي.
كما
يخيل إلينا أن عزل الموقف الأمريكي من
العراق عن سياقاته: العقائدية
والثقافية والسياسية والاقتصادية
يقوم على التجاهل لمعطيات الواقع، أو
اللامبالاة بنتائجه الكارثية التي
ستكون، بالنسبة إليها، كارثة الحرب
على فظاعتها أشبه بلعبة أطفال.
لن
تتوقف الأجندة الأمريكية في
الاستحقاقات المفروضة على هذه الأمة
عند العراق، أو عند فلسطين والانتفاضة
وعرفات والمنظمات الفلسطينية وحزب
الله، أو عند إيران، أو عند آيات
الجهاد في القرآن الكريم، أو مفاهيم
الحق والباطل، والخير والشر، والقبيح
والجميل.
استحقاقات
متتالية تتطلب من هذه الأمة أن تصمد في
كل موقع من مواقعها، أو عند كل خط دفاع
من خطوطها، بكل ما أوتيت من قوة وقدرة
وصمود وإباء. المطلوب أن يتكاتف الجميع
وإن كانت المعركة التي سنخوضها (ميسلون
!!)، فإن ذلك أنفى للعار، وأولى بسياق
التاريخ المجيد، وأجدر بمن يعد العدة
لمستقبل ناهض:
كم
لنا من ميسلون نفضت عن جناحيها
غبار التعب
عشرون
وثلاثون وخمسون وألف مثقف يطالبون
الأمة بالاستسلام، أو الرئيس العراقي
بالتنحي، لا يزنون، مهما كان شأنهم،
شيئاً أمام مليار ونصف مسلم، يبحثون عن
سبيل لتوظيف طاقاتهم في معركة الأمة
الحقيقية. وحتى يحين ذلك، سيتذكر
التكساسي أن معركته مع (التحدي الأخضر):
مترامية الأطراف، بعيدة المدى.
2
/ 2 / 2003
|