برق
الشرق
ساجدة
طلفاح !!
ساجدة
طلفاح عزاءً، عزاء القيم، وعزاء
الأمومة وعزاء من لا يرى في الموت
شماتة، وإنما يراه حقاً على رقاب
العباد، وبوابة عبور إلى عالم عدل كله،
يساق فيه الإنسان إلى ربه فرداً (وكلكم
آتيه يوم القيامة فرداً)..
ليست
اللحظة، التي نحن فيها، لحظة عتب،
ولكنها لحظة ذكرى، لحظة لوعة في قلب
أم، كانت جديرة أن تستعر مع كل كلم يقع
في قلب عراقية مظلومة في حاضرة العراق
وباديته، وهن المكلومات المظلومات كن
بفعل ولديك كثيرات كثيرات، لا يجحد
وجودهن إلا مكابر.
كان
من داعية الأمومة أن تفرض عليك أن
تمسكي بتلابيب ولديك، وهما يسرحان
ويمرحان في دماء الناس، وفي أعراضهم،
وفي كرامتهم، وأن تقولي لهما، وإن أغضى
الأب أو جارى: كفـى،
كان يجب أن تنقلي إليهما بعض القيم
والمعاني من ذاك الذي سماك يوم سماك (ساجدة)،
وما أطلق عليك هذا الاسم إلا لرمز لابد
أنه حملك بعض أمانته.
(إن
الإنسان ليطغى أن رآه استغنى..)، وكذا
إن استقوى، فالغني الشبع يظن أن الفقير
لا يجوع، والقوي المستهتر البطر يظن أن
الضعيف لا يألم، وهذان هما
اللذان يسوقان الإنسانية في مسالك
الهلكة، ويؤديان بعلاقاتها إلى بؤرة
الحقد والخصام.
(ساجدة..)
كنا ومازلنا من معين القيم التي شكلت
وجودنا، وصاغت كل سوي من بني قومنا
ننحاز إلى الأمومة نألم لألمها ونغضب
لغضبها، ولكننا نظنك تعتقدين معنا أن
بعض العدل في هذه الدنيا لابد أن يأخذ
مجراه، ومن ثم لتكون العدالة المطلقة
في العالم الآخر، حيث ينصب الميزان
الذري ليزين الأفعال والمشاعر والآلام.
ستكونين
أكثر عزاء حين تعودين إلى نفسك بهذه
المعاني، بحقيقة أن الإنسان لابد أن
يدفع بعض الثمن مما كسبت يداه. وأن الله
يمهل ولا يهمل. وأنه يملي للظالم حتى
إذا أخذه لم يفلته. (وكذلك أخذ ربك
إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم
شديد).
أمهات
كثيرات مثلك في عالمنا المنكوب بطيش
السلطة وخمرتها، مازلن يظنن، كما ظننت
يوماً، أن الأمهات الأخريات لا قلوب
لهن، وأنهن يستأهلن كل القسوة والألم
والبطش الذي يمارسه الأزواج أو
الأبناء.
تصوري
ساجدة، أن أماً عمرها (خمسة وسبعون
عاماً) تلطم بدل ولدها في أحد مراكز
السلطة التابعة للحزب الذي قام عليه
أمر زوجك !! لا يزعجنا أن الرئيس
وحاشيته لا يجدون في هذا الفعل غضاضة،
ولا يزعجنا أنهم لا يبادرون إلى
الاعتذار من الفعل، ومحاسبة منفذيه
ليعتبر فعلاً فردياً عارضاً وشاذاً،
وليس منهجاً لحزب وسلطة تجاوزوا كل
الخطوط الحمراء في عالم القيم، حتى
الجاهلي منها.
تذكرين
بماذا أجاب أبو جهل عندما سئل: لماذا لم
تتسوروا الدار على محمد لقتله.. قال أبو
الحكم يومها:
كيف
إذ تتحدث العرب أننا تسورنا الدار على
بنات العم.. ؟
بنات
العم.. المرميات هن وأولادهن في أعماق
الزنازين أو وراء الحدود محرومات حتى
من حقهن في الانتماء، هؤلاء لم تفكري
بهن ولا زوجك ولا ولداك.. ساجدة.
ومع
كل ذلك نقول: كل هذا لا يزعجنا، ساجدة،
وإنما الذي يزعجنا أنك، ومثيلاتك في
عالمنا لم تتحركن يوماً لتصرخن باسم
الأمومة في وجه الطغيان:
هذا
عيب هذا حرام
26
/ 7 / 2003
|