برق
الشرق
العدوان
على الذات .. جهل .. أو يأس
حين
تتحرك بعض الخلايا في ثنايا المجتمعات
المسلمة لتضرب يمنة ويسرة، تحت عناوين
شرعية ذات جذور ضاربة في الفكر والنفس،
وتنتشر هذه (الأفعال) لتصيب أكثر من قطر
من الأقطار الإسلامية، فإن الموقف
يستدعي محاولات جادة للفهم والمعالجة.
إن
تحليل عناصر أي ظاهرة لفهمها
ومعالجتها، لا يعني بأي شكل من الأشكال
التماس المعاذير لفاعليها ولا تسويغها
؛ بقدر ما يعني الوصول إلى العوامل
الحقيقية التي تتسبب في حدوث الظاهرة،
لفهمها وحسن التعامل معها سلباً أو
إيجاباً.
أنت،
في أي معركة (بينية) حيث يقتل الأخ أخاه
والجار جاره، تراك تبكي من القاتل
وعليه، في معادلة صعبة الفهم وصعبة
التفسير.
فالذين
ضربوا في أفغانستان أو في باكستان أو
في المغرب وضربوا ويضربون في
السعودية، ويحاولون لو استطاعوا أن
يضربوا في جميع بلاد المسلمين بحجة
الانتصار للإسلام !!! ماذا ينقصهم ؟!
وماذا يبعثهم إلى هذه الأعمال
المرفوضة المدانة على الصعيد الشرعي
والصعيد الإنساني المدني ؟!
إن
أول ما ينقص هؤلاء، وهم قد تصدروا
للفتوى في أخطر حلقاتها (الفتوى في
الدماء)، العلمُ الشرعي المترابط لفهم
(كلّيّ الشريعة)، والإحاطة بمقاصدها،
والالتزام بقواعد ومناهج الاستدلال
والاستنباط. حيث غدا النص الشرعي (المفرد)
المعزول عن سياقاته ومحدداته
وموضحاته، أصلاً مطلقاً يتمسك به فرد
لينشئ على أساسه نظرية، ويبني سياسة
وموقفاً.
عندما
أصر بعض دعاة الحداثة على ضرورة إطلاق
عملية الاجتهاد الشرعي بلا ضابط،
وإعطاء هذا الحق لكل من غدا وشدا ؛ لم
يعلموا أي باب فساد يفتحون!! ولا يفهم
من هذا أننا نطالب بالإغلاق
والانغلاق، وإنما نطالب بالضبط
والربط، ليكون للاجتهاد الشرعي أصوله
وقواعده. فحين كسر الباب ولم يفتح،
وانفلت الحبل على غاربه، ليكون ممن
يتصدى للاجتهاد أمثال فلان وفلان ممن
أرادوا أن يتكسبوا بالعبث بأركان
وقواعد الإسلام ؛ كان في الطرف الآخر
من يطالب في التحرر في (فتواه) من نواقض
الوضوء ومفسدات الصلاة إلى ما تعصم به
الدماء والأموال. الفقه
ذو الرؤية الأحادية، غير المنهجية هو
الذي قاد هذه النخبة من الشباب إلى ما
هم فيه من تخبط واضطراب.
ثم
يأتي إلى جانب أحادية الرؤية الفقهية
العجز عن إدراك أبعاد المشهد الحضاري
والسياسي والثقافي من كافة أبعاده.
وسبب هذا العجز بالدرجة الأولى هو غياب
المرجعية الجامعة التي تلتقط جزئيات
المشهد لتصوغ منه، وفي مواجهته،
استراتيجيات متكاملة.. وهذه
المرجعيات، إن وجدت، فقد سبق لها أن
فقدت مصداقيتها وثقتها لدى جيل كامل،
حين وضعت نفسها في خدمة صاحب سلطان،
لتقتنص له الفتوى من يمين وشمال.
ولو
درى صاحب السلطان، أن مرجعية شرعية في
بلده، تتمتع بحرية مخالفته في بعض
الأمر، يمكن أن يعزز مصداقيتها لتقيه
مثل ما تعيشه المنطقة اليوم ؛ لكان
واجباً عليه أن يسعى سعياً إليها، بله
أن يكف عن حربها والعدوان عليها إقصاء
أو استئصالاً.
أما
البواعث وراء هذه الأعمال الرهيبة
والمدمرة للذات، فهي واقع أليم بكل ما
فيه، لا يجد الإنسان فيه بصيصاً للنور،
أو أملاً للخروج. إن الذي يجرؤ على قتل
أخيه وابن عمه وجاره وبلديِّه وابن
عشيرته، هو ذاك الإنسان المريض النفسي
الذي يبالغ في إنزال الأذى بنفسه كنوع
من العقوبة لها. إن الجهل بمستوياته
كافة يقود إلى التخبط والتخبط يقود إلى
الإخفاق، والإخفاق يقود إلى اليأس
والانتحار.
معركة
الأمة الداخلية معادلة صعبة، متروكة
لأولى الرأي والنهى، وأول الأمر فيها
أن يعلن العلماء والثقاة في هذه الأمة
وبصوت واحد أن هذا المنهج التدميري في
العدوان على الذات ليس بالمنهج الرشيد.
9
/ 7 / 2003
|