آخر تحديث يوم الخميس 29 - 05 - 2003م

.....

برق الشرق

بيننا وبين الولايات المتحدة

(المشكلة بيننا وبين أمريكا هي الموضوع الإسرائيلي فقط) !! فهل (إسرائيل) فقط هي الحجاب أو الحاجز بين الولايات المتحدة وبين أمة العرب ؟!

هل حقاً إذا حلت القضية الفلسطينية الحل العادل، الذي يطمح إليه العربي، حسب سقفه في تصوره للحل العادل، سيسيل السمن العربي على العسل الأمريكي ويمتزجان، أو هل سيذوب الفرد العربي، والإرادة العربية (والرسالة الخالدة) العربية في كأس الكولا الأمريكية ؟!

(إسرائيل) أو الكيان الصهيوني، كما نحب أن نعبر، ليست إلا أداة من أدوات المشروع الأمريكي، وجزء منه. وحين تدفعنا المبالغات إلى عكس المعادلة أو قلبها نكون محاصرين في مربع القهر حتى الانحسار.

والمشروع الأمريكي اليوم، بأبعاده الثقافية والاقتصادية، أصبح أكبر من الولايات المتحدة نفسها، هو مشروع (عولمي) إذا صحت العبارة، مشروع 11% من المسيطرين على مقاليد الأمور على هذه الأرض، الذين يعملون على الاستئثار بالثروة مطلقاً وتسخير كل ما في الأرض، حتى الإنسان لخدمة مشروعهم الذي سيظل يقلص دائرة الوجود الكوني ويضيقها حتى تنطبق على المركز.

لقد تعودنا أن نطلق على هذا المشروع حيناً من الدهر المشروع الإمبريالي أو الرأسمالي بأبعاده الشمولية التي تنطلق من الاقتصاد لتأرز من جديد إليه. وقد آلت عهدة هذا المشروع إلى الولايات المتحدة منذ أواسط القرن الماضي فكيف يختزل خلافنا معه اليوم في الموقف من الكيان الصهيوني فحسب. وهذا ما كرره بعض أصحاب الشأن من بني قومنا في أكثر من مقام، حتى أوحى إلينا هذا التكرار أنه ناتج عن رؤية لا عن إشارة عابرة.

ومع قسوة الظروف التي يكتب فيها هذا الكلام، مازلنا نعتبر أنفسنا ممثلي حضارة، وحملة رسالة، وقد يختلف أبناء هذه الأمة قليلاً أو كثيراً في مضامين هذه الرسالة ومفرداتها، ولكنهم يتفقون على أنها (عالمية وخالدة). عالمية حملها إبراهيم وموسى وبشر بها عيسى ومحمد، عليهم صلوات الله أجمعين، هدى ورحمة للعالمين، وخالدة بمعنى أن جوهرها مرتبط بكينونة الإنسان وصيرورته.

والولايات المتحدة، من جهة أخرى وريثة حضارة ولها قيم ومصالح ومآرب، وما بيننا وبين الولايات المتحدة، في ميزان أصالتنا الثابت والمتطور، يتقاطع حيناً ويتضارب آخر، والجسر الحضاري الذي يربط بيننا نريده ذا اتجاهين، نستقبل من خلاله ما نظنه صواباً أو علماً أو حكمة، ونرفض ما نراه غير ذلك مما يتعارض مع ثوابتنا والأسس العالمية الخالدة من حضارتنا ورسالتنا. ونجد في الوقت نفسه أن عندنا الكثير مما يحتاج العالم إليه، ونرى أن من واجبنا أن نقوم فيه بحق البلاغ، رحمة بالناس وحرصاً على إنسانيتهم.

ونقطة الفصل في الموقف، هو الكلمة السواء التي دعا الإسلام العالمين إليها منذ خمسة عشر قرناً، أن ينخلع الجميع من سياسة (الإكراه) و(الإملاء) فليس من حقنا ولا أي فريق منا أن يملي على الآخرين (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)، وكذلك ليس من حق الآخرين أن يملوا علينا، وإذا فعلوا فإن من واجبنا أن نرفض إملاءاتهم بكل ما نستطيع.

بيننا وبين الولايات المتحدة مفارقات في الرؤية الحضارية، وفي أساس التصور الإنساني إلى الله والكون والحياة والإنسان. مفارقات أساسية تنبع منها خلافات على كثير من الفروع، واحد منها حقنا في فلسطين.

هذه التقاطعات والمفارقات جديرة أن تضعنا في مقعد صدق لحوار حضاري متكافئ وبناء. ونتمنى على مائدة الحوار هذا ألا تبطر قوي قوته فيطغى، وألا ييئس مستضعف من حقه فيقلب الطاولة على الآخرين.

كل العقلاء يقولون بحوار الحضارات، وكل المغرورين والحمقى يريدون أن يجروا العالم إلى بؤرة الصراع. وفي دائرة الحوار المتكافئ سنلتقي مع الولايات المتحدة على كثير وسنختلف أيضاً على كثير وهذا هو لب الحضارة الإنسانية.

29 / 5 / 2003