الوحدة
العربية
هل
تبخر الحلم ؟!
كانت
الوحدة العربية، التي أعلن عنها في
الثاني والعشرين من شباط سنة 1958 بين
سورية ومصر، قمة الإنجاز في المشروع
النهضوي العربي المعاصر. وبدايةَ
البداية للانطلاقة المنشودة نحو (الدولة
ـ الأمة). الأمة المعطاء الودود الولود.
وتحولت الوحدة بعد ذاك الإعلان إلى
حقيقة واقعة، عاشتها الأمة وعاشها
الشعبان في أبهى صورها.
حقيقةُ
أن (عهد الوحدة) لم يكن مثالياً أو
مرضياً في بعض جوانبه، ولكن
الوحدة كإنجاز مستقل متسام كانت تستحق
التضحية،
لأنها مثلت الأرضية السليمة للانطلاق
المستقبلي.. لا أحد يستطيع أن يزعم أن
ما آلت إليه الأوضاع في سورية، بعد فك
الوحدة، كانت أفضل حالاً.. خسرنا
الوحدة، ولم نتحرر من السلبيات التي
دندن حولها المدندنون، فهل كان (عهد
الانفصال) الذي وُشِّح بالشرعية
الشكلية إلا عتبة للثامن من آذار الذي
أنتج هذا الوهن والاضمحلال وكرس حالة
الطوارئ بكل أبعادها السلبية منذ
أربعين عاماً أو نزيد.
إذا
كنا نحيي ذكرى الوحدة العربية في هذا
اليوم فإننا نحيي الإنجاز الشعبي
الهادر الذي كان يجوب العواصم العربية
لأي نازلة تنزل في أي ضاحية من ضواحي
الأمة، ولسنا في وارد البكاء على ماض
ولى ولن يعود إلا..
بل
نسعى إلى مستقبل لن يكون إلا إذا كف
المثقف العربي والكاتب العربي عن
الحياء من الدعوة إلى الحقيقة الأساس
في بناء الأمة وتكوينها، الدعوة إلى
بناء وحدة الأمة على أسسها الراسخة،
وفي أطرها القويمة.
يقلقنا
هذا النكوص النخبوي عن طرح الوحدة
العربية مطلباً حيوياً أساسياً لنهضة
الأمة، ولخروجها من دوامة التيه التي
ألقاها فيها عدوها.
يقلقنا
هذا التعلق بالمصالح الصغيرة،
والانتماءات الصغيرة، والمطالب
العارضة الصغيرة، والغفلة عن المطلب
الأول الذي يجب أن ننجزه ابتداءاً في
معركة تحقيق الذات.
يقلقنا
أن يثمر عجز الساسة، أو إيثارهم
لمصالحهم الشخصية، يأساً تتلبد سحبه
في أفق رجال العقائد وحملة الأفكار،
الذين يقع على عاتقهم أن يرودوا للأمة
طريقها، والذين ينبغي عليهم بإصرارهم
وتكاتفهم أن يفرضوا الأجندة الأولية
المشتركة على رجال السياسية أجمعين.
وئد
الإنجاز الوحدوي الأول، وكان حقيقة
الأخير، أخفق بعده عشرات المشروعات..
ولكن كل هذا الإخفاق لا يجوز أن ينال من
عزيمتنا وتصميمنا كمثقفين ورواد على
السعي لتحقيق مشروع (الدولة ـ الأمة)
التي نحقق من خلالها ذاتنا، ونقوم
بأعباء الرسالة المنوطة بنا.
الوحدة
بالنسبة إلينا ضرورة سياسية ومنطلق
استراتيجي، وهي قبل كل ذلك عقيدة دينية
مقدسة (وإن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا
ربكم فاعبدون).
24
/ 2 / 2004
|