آخر تحديث يوم الأربعاء 05 - 11 - 2003م

.....

برق الشرق

وزير الإعلام يفسر أقوال وزير الخارجية

(ما الذي يجري وراء الكواليس)

لم تشهد السياسة السورية اضطرابات وتناقضات كالذي تشهده هذه الأيام. كنا لفترة نظن أن هذا الاضطراب متعلق بالشأن الداخلي فقط، وأن ثمة صراع إرادات بين حراس المصالح الشخصية، كما سماهم رئيس الجمهورية، وبين أرباب البقية من الذين يسعون إلى كفكفة غرب الفساد في الوطن. قرارات كثيرة صدرت عن رئاسة الجمهورية في الشأن الداخلي ثم ضاعت بين أقدام اللاعبين الكثر على الساحة السورية الداخلية.

امتد هذا الاضطراب والتناقض منذ أشهر ليشمل السياسات الخارجية أيضاً، لتشهد الساحة سيلاً من التصريحات المتناقضة، والتعقيبات على التصريحات والاعتذار عن التعقيبات.. لم يكن آخر المسلسل ما حدث للسفير السوري في إسبانيا (محسن بلال)، والذي عقب مسؤول على حديثه، ليقال أنه كان يتكلم بصورة شخصية، ثم ليرد مسؤول آخر على الرد، فيقول بل إن السفير كان يتحدث بصورة رسمية.

ثم دخل على الخط وزير الخارجية (فاروق الشرع) الذي فتح النار منذ ما يزيد على الشهر في لقاء صحفي على الإدارة الأمريكية، وأكد أنه يتحدث باسم الجميع، وأن رئيس الجمهورية موافق على ما يقول، ونفاجأ في اليوم التالي بالإعلام السوري يتجاهل تصريحات السيد الوزير، ويجتزئ منها نبذاً صغيرة تصب في السلة الأمريكية !!

بعد حادثة السفير السوري في إسبانيا قال الوزير الشرع منذ عشرة أيام في صحيفة بريطانية (إن بلاده سترد إذا هاجمت إسرائيل بلاده ثانية مضيفاً أن الهدف قد يكون مستوطنا يهودية في مرتفعات الجولان..). لم يكد هذا الكلام يجف حبره حتى وزعت رويتر نقلاً عن وزير الإعلام السوري (أحمد الحسن)  قوله (جرت المبالغة في التصريحات السورية السابقة وأخرجت عن سياقها) وأشارت الوكالة إلى أن سورية تتراجع عن تهديداتها السابقة بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية.

أكد وزير الإعلام (أحمد الحسن) في مقابلة صحفية نشرت منذ يومين في الشرق الأوسط (إن تصريحات الشرع جاءت في سياق دردشة صحفية وأن دمشق قد آثرت اعتماد ضبط النفس وعدم جر المنطقة إلى انفجار لا يمكن لأحد أن يعرف مداه).

يعتبر وزير الخارجية فاروق الشرع واحداً من أساطين الحكومة السورية، وجزءاً من التركيبة السياسية (نؤكد السياسة) الحاكمة، وليس سفيراً في هذه الدولة أو تلك وعندما يصل الأمر إلى حد الرد عليه، أو التحفظ على أقواله، أو إعادة تفسيرها.. فإن هذا يعني أن حبل السياسة في سورية قد أصبح على (الغارب)، على الصعيدين الداخلي والخارجي على حد سواء. فلم يعد هناك مناط معتمد لصنع القرار أو تحديد الموقف.

من جهة أخرى، إن من حق الشعب السوري الذي استقبل التصريحات الأخيرة المكافئة، ولو بالقول، للغطرسة الصهيونية أن يتساءل عن سر سحب هذه التصريحات، والالتصاق بهديل الحمام.. ؟!

لقد سمع النسر صوت الحمام      فلم يعف عنها ولـم يغفـرا

هل ثمة ما يدور وراء الكواليس يشرف عليها من يشرف لإنهاء شوط التصعيد الذي تأبى الدولة الصهيونية أن تخرج منه إلا منتصرة مستعلية، ولا تقبل أن يرد عدوانها العملي ولو بكلام !!

يقال إن السياسة الخارجية السورية هذه الأيام يشرف عليها مستشارون أوروبيون ـ أو فرنسيون بشكل خاص، وهم الذين يفصلون للحكومة السورية الموقف الأليق لنيل بعض الرضا الأمريكي. وإذا كان الأمر كذلك فلا ندري إلى أين ستقودنا السياسات (الفرنسية) أو (الأوروبية) التي يستسلم لها هذه الأيام صانعو القرار.

اعترافات طارق عزيز التي نشرت في الشرق الأوسط في 4/11 أكدت أن اعتماد صدام حسين على الوصايا والتطمينات الفرنسية قاده إلى النهاية التي يعلم الجميع، فهل سيكون في هذه الاعترافات بعض الدرس ؟!

استقبل شعبنا بإيجابية رد الاعتبار إلى السفير السوري في إسبانيا (محسن بلال)، واستقبل بإيجابية أيضاً (شدة الحيل) التي أقدم عليها بعض المسؤولين الذي اكتفوا بالتلويح بأن في سورية جيشاً ورجالاً.

ولقد ساءنا وساء كل حرّ، التفسير المهين الذي تقدم به وزير الإعلام لحديث وزير الخارجية. لم يكن تفسيراً وإنما كان اعتذاراً عما يجب التمسك به. للأسف إسرائيل لم تعتذر عن قصفها أراضينا، ولم تتوقف عن إطلاق التهديدات، والفيتو الأمريكي المؤيد لها مازال لسعه ساخناً على جباهنا.

5 / 11 / 2003