برق
الشرق
واشنطن
:
لحظة غرور .. وتغذية ضالة
لا
أحد يعيش لحظات الذروة يمكن أن يفكر في
(الزولة) !!، ولم يكن للمعتصم وهو يجر
جيوشه، من بغداد إلى زبطرة، استجابة
لاستغاثة امرأة هاشمية، أن يتصور خلفه
الأخير، المستعصم، بعد أربعة قرون،
يحاصر في بغداد، فلا يجد الشجاعة ليرد
عن نفسه !! وحقيقة أن (لو دامت ما آلت)
تتردد على الأفواه نظرياً، دون أن يكون
لها انعكاسها العملي والواقعي على
كثير من الناس.
ولو
تحدث إنسان عن صيرورة (الاتحاد
السوفياتي) كما آل إليه، قبل النهاية
المعروفة بعام واحد لاعتبر حديثه
ضرباً من التهويم، ولا أحد يدري ماذا
تخبئ له الأقدار.
في
لحظة الغرور يظن (الفرد ـ الجماعة ـ
الدولة) أنه مسيطر على الزمن (حاضره
ومستقبله)، وأن لا أحد قادر على أن
يزحزحه عن الموقع الذي هو فيه !!
لحظة
الغرور هذه تتلبس اليوم الإدارة
الأمريكية، الدولة التي نشأت في دورة
الإقبال الحضاري للغرب، فبلغت في
العقدين الآخرين، وبعد غياب قطب
العالم الآخر، ذروتها.
وتلعب
التغذية الضالة أو الموجهة دورها في
مدخلات القرار الأمريكي، وتحديد موقف
الإدارة الأمريكية من الإسلام: الدين
والحضارة والإنسان. وقد أصبحت هذه
التغذية الضالة حقيقة واضحة بمخرجاتها
العملية الراهنة. وأقر أصحابها، على
الصعيد النظري، أن رؤيتهم لمنطقة
الشرق الأوسط كانت تسبح في التيه.
لقد
أثمر دعم الحكومات المستبدة على
اختلاف مشاربها، ونؤكد هنا على (اختلاف
مشاربها)، في مواجهة الديمقراطية لعزل
إنسان المنطقة بخلفيته وكينونته عن
صنع حاضره ومستقبله، ثماراً مرة، لم
يكن يتوقعها الدارسون والمخططون، ولم
تعد هذه الثمار وقفاً على سكان المنطقة:
تخلفاً وذلاً ومسكنة وفقراً وسجناً
وتشريداً وموتاً، وكان كل ذلك بكل
مآسيه بعض ثمرات السياسة الأمريكية
الرعناء، على أيدي الوكلاء المعروفين
!!
ثم
إن الإصرار على تبني القاعدة
الأمريكية المتقدمة في فلسطين،
والإصرار على تنفيذ سياسات السيطرة
المهينة، واغتصاب الكرامة والثروة
معاً، وهي سياسات ماتزال الولايات
المتحدة تزداد إمعاناً فيها، إن هذا
الإصرار ولد وسيولد الكثير مما لا يقدر
صانع القرار الأمريكي على الإفصاح
عنه، وإن أدركه.
إن
مدخلات القرار الأمريكي، التي يسيطر
عليها، عموماً، دارسون ينظرون إلى
الولايات المتحدة، من خلال قاعدتها
المتقدمة في المنطقة (إسرائيل)، تؤدي
إلى تدمير الأصل لحساب الفرع، وهذا ما
يدركه الدارسون والمراقبون
الأمريكيون؛ ولكنهم لا يجرؤون أن
يتداركوه.
وهكذا
في لحظات غرور القوة، لن يتهيأ لصانع
القرار الأمريكي، أن يفكر في عواقب
سياساته الحمقاء في المنطقة، والتي
تعتبر الحرب على العراق أحد وجوهها
القبيحة.
فسياسات
الإذلال ومحاولات التدخل في الخصوصية
الحضارية والثقافية للأمة المسلمة،
والتهويم حول الإسلام والقيم
والعقائد؛ كل ذلك ستكون له، في منظورنا
الاستراتيجي، تداعياته التي لن تسر
الأمريكيين كثيراً !!
نكره
ما تفعله الولايات المتحدة بنا، ونألم
منه، نعيش بفعل بوش وشركاه قرارة
الهوان؛ ولكننا في الوقت نفسه نؤمن
إيماناً راسخاً بآفاق قوله تعالى في
قرآننا: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير
لكم) حقيقة مطلقة مؤيدة في آية أخرى (..
فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه
خيراً كثيراً).
فليكن
الجرح غائراً، والألم بالغاً، والهوان
لا قرارة له، والتحدي عظيماً... عسى
لأمة (بدر) و(مؤتة) و(ملاذ كرد) و(حطين) و(عين
جالوت) و(الزلاقة) أن تستفيق.
18
/ 3 / 2003
|