برق
الشرق
يظنون
الأمريكان أقرب إليهم
أربعون
عاماً خلت والقائمون على أمر قطرنا
يكيفون سياساتهم مع الرغبة الأمريكية
سواء في ظل الحرب الباردة، أو فيما
بعدها. كان لكل مرحلة خطوطها وألوانها.
وكانت براعة القوم تتمثل في ألعاب
الرشاقة، وأساليب التظاهر، وفنون
القفز على الحبال.
كان
(المعلم) الذي تؤدى هذه الأدوار أمامه
يتظاهر بالرضى، لأنه هو الآخر محكوم
بمعادلة أخرى لقواعد اللعبة وأبعادها.
اليوم يقرر (المعلم) مباشرة أن يغير هذه
القواعد، ما كان مقبولاً بالأمس لم يعد
مقبولاً اليوم، وما كان في موضع
الإغضاء أو التغاضي أصبح في خانة
الرفض، وسياسة التسويف والمماطلة وكسب
الوقت لم تعد هي الأخرى سارية المفعول.
قبل
أن تدخل الولايات المتحدة العراق كان
هناك قائمة من التنازلات التي قدمتها
سورية تكيفاً مع الواقع الجديد، كان
على رأسها الموافقة على قرار مجلس
الأمن (1441) الذي اعتبر بوابة العبور
الدولية إلى عملية الغزو وتعمد
بالموافقة السورية !! ثم ردفه بعد الغزو
القرار (1483) الذي شرعن الاحتلال وكرسه.
على
صعيد أخر كانت التنازلات فاقعة إلى حد
إشاعة الشعور باليأس والخذلان.. فقد
رفعت اليد عن العراق، أغلقت الحدود في
وجه المستجيرين، الذين تربطنا بهم
روابط الرحم والجوار، وتركت فلسطين كل
فلسطين لشارون وأبي مازن (!!) وتلجلج
القوم في الحديث عن الجولان المضاع
والمنسي والمؤجل، وفرض الصمت، عن
طواعية واختيار وقرار مسبق، على جميع
المنظمات الفلسطينية، وكفكف نشاط حزب
الله، وأعيد الانتشار في لبنان وفق
الإرادة الخارجية، ثم تغلغل الموقف
إلى بنية التكوين الثقافي للفرد
العربي السوري، فسحب من مناهج التربية
في المدارس والجامعات، مدخلات الفكر
المقاوم واستغني عنه بما لا يغني وإن
كان ضرورياً، حتى وصل الأمر إلى لون
الثوب ذي الصبغة الميدانية، هذا اللون
الذي سحب ليحل محله الجينز الأمريكي..
ألقى
المزادة كي يخفف رحله
والثوب حتى نعله ألقاها
ذلك
بعض ما كان في ظاهر الأمر، ولا يتسع
المقام لكله، وما خفي كان أعظم.
ومع
كل التنازلات يعود اليوم بوش للتهديد: ما
قدمته سورية ليس كافياً، ولا نظنه
سيكون كافياً في يوم من الأيام إلا أن..
المتورطون
في رمال الرضى الأمريكي المتحركة،
سينغمسون في لجتها حتى النهاية،
وسيكونون مستعدين دائماً للتنازل.. لأن
التنازل في هذا السياق يتم على حساب
الكرامة والسيادة والوطن والشعب
والأمة، وهو حساب كما يشعر المتنازلون
لا يكلفهم شيئاً، ولا يعود على سلطانهم
بأي انحسار.
سيبقى
الأمريكيون كما كانوا خلال أربعين
عاماً الأوثق والأقرب. وسيظل الخيار
الآخر.. خيار الإباء والشرف والتمسك
بالثوابت والارتكاز على الشعب، وبعث
الروح الوطنية للتصدي لمشروع الهيمنة،
سيظل هذا الخيار بعيداً عن دائرة
التفكير لأنه يكلف كثيراً.. يكلف صاحب
السلطة أن يضع ضوابط لسلطانه، والواقع
في مستنقع الفساد أن يكف عن فساده،
والشعب بكل قواه سيظل أبعد من واشنطن،
لأن ما يتطلبه الشعب لينخرط في الموقف
يصعب مقاربته أو الإصغاء إليه.
23/07/2003
|