برق الشرق
في
الذكرى الثامنة والخمسين لتأسيس الجيش
لا
ريب أن الجيش مؤسسة وطنية، وهو جزء
أساس من الكيان الوطني، يناط به الدفاع
عن الأرض والعرض وحماية الكرامة. نتقدم
ابتداء بالتحية لجيشنا العربي السوري،
بما يمثل من رمزية الإباء والعنفوان،
متمنين لهذا الجيش في ذكرى تأسيسه
عوداً أحمد إلى مهامه الأصيلة التي أسس
من أجلها، وتحمل رسالتها.
ولكن،
ولابد دائماً من ولكن، ربما لا يدري
الكثيرون أن قرار تأسيس جيش وطني في
سورية للأيام الأولى للاستقلال، وفي
السنوات التي تلتها، كان موضع أخذ ورد
وجدل بين كثير من الزعماء الوطنيين،
الذين لا يشك أحد في وطنيتهم وإخلاصهم.
لقد
كان بعض الزعماء الوطنيين، وعلى رأسهم
الزعيم سعد الله الجابري، يرون أن
إنشاء قوة عسكرية ضاربة في الوطن،
وإسناد أمرها إلى بضعة رجال، بغض النظر
عن الأشخاص والأسماء، سيجعل بمقدور
هؤلاء أن يصادروا القرار الوطني، وأن
يستبدوا بأمر الناس، ويرفعوا أنفسهم
طبقة نافذة متحكمة، تأمر فتطاع، وتفرغ
بذلك كل سلطات الدولة من محتواها،
ليكون رئيس الجمهورية ورئيس مجلس
النواب ومجلس الوزراء أسرى إرادة راكب
الدبابة أو الطائرة.. كانت هذه مجرد
تخوفات وإرهاصات، لم تلبث أن تحولت إلى
حقائق، عايشها شعبنا طوال ثمانية
وخمسين عاماً، هي عمر هذه المؤسسة
تقريباً.
جاءت
هزيمة (العسكر) في حرب فلسطين سنة 1949
لتقوى من حجج المحتجين على وجود هذه
المؤسسة بالشكل الذي قامت عليه. ولنصب
الزيت على نار الصراع بين سياسي يمتلك
الرأي والحكمة وعسكري يمتلك القوة
والقسوة، وهكذا كان انقلاب حسني
الزعيم في بعض حيثياته رداً على
استهتار السياسيين بالعسكريين
واتهامهم إياهم بالجبن والخور
والهزيمة والفشل. وظل الجيش أو ضباطه
يتلاعبون بالحياة السياسية في سورية،
وكأن الوطن مزرعة أو ملعب كرة تتقاذفها
أقدام العسكريين ؛ فمن الزعيم حسني إلى
الزعيم الحناوي إلى الزعيم الشيشكلي
إلى عفيف البزري إلى عصاصة والنحلاوي
وزهر الدين إلى حاطوم والجندي
والحريري والأسد وجديد وو.. كل هؤلاء
تبادلوا الكرة التي هي هذا الوطن، وهذا
الشعب، يقذفها أحدهم يمنة والآخر يسرة
دون أن يكون لدى أي منهم مشروع تنموي أو
نهضوي حقيقي، أو رؤية سياسية. حيث تكرس
مشروع كل واحد من هؤلاء في نفسه وسلطته
ونفوذه واستمراره.
ومرة
أخرى هزم الجيش، أو قادته، في حرب
السابعة والستين الهزيمة المعلمة
النكراء، التي لم تستطع محاولة حرب
تشرين أن تمحو عارها وأن تسترد الأرض
التي أضاعت، وأن ترتق الخرق الذي فتقت.
ومنذ
1973 أي منذ ثلاثين عاماً والجيش العتيد
في إجازة، نسي دوره ونسي مكانته، ونسي
الجولان المحتل، ولم يسمع استغاثة طفل
من فلسطين، ولا نداء حرة على أرض
العراق !!
حين
تقرن ميزانية الدفاع في قطرنا العربي
السوري بميزانية الصحة والتعليم سنجد
أن الفارق أكبر من أن تهضمه النفوس على
ضآلة ناتج الدفاع، والعجز المطلق عن
حماية السيادة الوطنية وتحرير الأرض
المحتلة.
لا
نريد لأحد أن يفهم أننا نطالب بإقالة
الجيش، لأن الجيش بالفعل هو بحكم
المستقيل. ولكنها محاولة لاستفزاز
الموقف لبناء الجيش القوي القادر على
حماية سيادة الوطن: قراراً وإنساناً
وأرضاً.
لقد
أفرغت عملية تسييس الجيش جيشنا من
محتواه، وحرفته عن مهمته الأصيلة التي
قام من أجلها، ثم جاء الاستبداد
السياسي ليسلب من الجيش كل مهمة وليجعل
منه حارساً شخصياً يروح مع المستبد
ويجيء.
6
/ 8 / 2003
|